بقلم: زيد أبو زيد
للضرورةِ أحكام. هكذا هي الحياة في
التعليم وغيره، من هنا كانت النظم التعليمية تتطور في سعيها الدائم لمواكبة ما
يجري في العالم نحو تمليك الطلبة مهارات يتطلبها العصر الجديد، ومعلمون يقومون على
التنشئة والتعليم والرعاية لطلبتهم لبناء جيلٍ متعلم ومثقف وريادي، وهو ما يتطلب
معلمين مدربين ومؤهلين ومنتقين حسب معايير متخصصة لأن مستوى جودة ايّ نظام تربوي في العالم، تُقاس بنوعية معلميه
قبل أي شيء آخر.
لقد دخل العالم ونحن معه في عصر كورونا
(كوفيد-19) المستجد مطلع العام 2020، ومع
استمرار التهديد الذي تشكله جائحة فيروس كورونا تتداعى دول العالم لدراسة سُبل
ضمان استمرارية التعليم عبر العالم إن استمرت الجائحة بالتواجد. وما تُشكّله من
خطر على الطلبة في المدارس وربما لظهور طفرات جينية متكررة من الفيروس أو ظهور
أسباب أخرى متنوعة قد تمنع التعليم المباشر أو تحد منه لظروف الأوبئة والكوارث.
لقد كان الأردن من أوائل دول العالم
الذي وضع خطة متكاملة للتحول نحو التعلُم عن بعد، وطبق هذا النوع من التعليم في
العام الدراسي الماضي، وهو الآن أمام خيارات عديدة أتاحتها الجائحة بالمزاوجة بين
التعليم التقليدي الوجاهي والإلكتروني وجاهيا وعن بعد الذي طبق عبر ما يسمى
بالتعليم المتمازج، ولا نفترض هنا أنَ التجربة ستكون مكتملة التطبيق نموذجيًا
لكننا على ثقة أنَ البداية ستكون واعدة وستكتمل شيئا فشيئا كالكائن الحي.
إنَ التعليم المتمازج هو خليط ومزج
لعنصري التعليم التقليدي والالكتروني معاً في الحصة الصفية لتحقيق وإنجاح النتاجات
المرجوة منه. وتُريد وزارة التربية والتعليم تطبيقه كنهجٍ تربويٍ دائم عن بعد وعن
قرب في حال وجود قرار على المستوى الوطني بتعطيل المؤسسات التعليمية مرة أخرى في
إطار الحرص على صحةِ الطلبةِ وسلامتهم، أو الاستمرار في التعليم المباشر مع الأخذ
بعين الاعتبار أن الاردن سينفذ بروتوكولاً صحياً دائماً في مدارسهِ في زمن أزمة
جائحةِ كورونا.
إنَ هذا المنحى في التفكير يقودنا
جميعاً للتفكيرِ بكيفيةِ إيجاد الحلول لكل مشاكلنا وبخاصة إشكالية التعليم
والتعلُم والمعضلات التي تواجهها النظمُ التعليمية في زمن الكورونا وغيره، وعن
استعداداتنا على صعيد بنية النظام التعليمي ومجتمعات التعلم وتمكين المعلمين
لاستثمارها في زمن الأزمات، فعالم اليوم يشهد تطورات هائلة وهذه التطورات تقودنا
بالضرورة إلى إيجاد الحلول لمشاكلنا كافة ، ليس على صعيد التكنولوجيا والتقنية فقط،
بل يتعدّى ذلك إلى كافة جوانب الحياة ، فكريًا وسياسيًا واجتماعيًا وتربويًا ،
فالثورة التكنولوجية الرابعة والخامسة القادمة بوتائر سريعة، صبغت عالم اليوم
بلونها، ووقف الإنسان مذهولاً أمامها على الرغم من أنه هو الذي أوجدها وطورها ،
فنحن نرى ونعيش اليوم عصر الذرة والأقمار الصناعية ، وعصر الكمبيوتر والإنترنت ،
والاتصالات وأجهزة الاستقبال التي حولت العالم بل الكون كله إلى قرية صغيرة ،
ومكنت الإنسان من الحصول على كل ما يحلُم به من المعلومات والبيانات بدقائق
معدودة، ولكنه أيضاً حمل أوبئةً جديدة كإيبولا و فيروس كورونا (كوفيد-19)، وتعقيدات وفوارق هائلة بين مجتمعات التعلم
والتعليم.
إن التطور العلمي والتقني لم يقتصر فقط
على الاختراعات و الصناعات المختلفة ولكنه أيضاً شمل العلوم الانسانية والتربوية،
ورغم أنه كانَ تطورا مفيداً في جوانب كثيرة، ولكنه أيضاً كان مخيفاً ومربكاً في
جوانب أُخرى، وعلى كل حال فقد كان لابد أن
يحدث التطور في المجال التربوي والتعليمي جنباً إلى جنب مع الجوانب التكنولوجية،
لأن المجالين يكمل بعضهما الآخر ، ولأن التطور التقني يتطلب قدرات متطورة وعالية
لدى العاملين كي يستطيعوا مواكبة التطور التقني في العصر الحديث، وهكذا ارتفعت
أصوات المفكرين والعلماء العاملين في المجال التربوي لإجراء ثورة في أساليب
التربية والتعليم في مدارسنا ، وإعادة النظر في المناهج والكتب المدرسية والوسائل
التي تمكّن المدرسة من أداء عملها على الوجه الأكمل، واتفق الجميع على أهمية استخدام
التكنولوجيا كأساس ورافعة مهمة في نجاح العملية التربوية ، لأنها تمثل ضرورة في
جميع مناحي الحياة ،إلا أنها في التربية والتعليم ذات أهمية قصوى، فلا تعلُّمّ
حقيقي اليوم دون استخدام التكنولوجيا ومصادر المعرفة وادواتها العالمية.
واليوم، وقد بدأت الانظمة التربوية
تتداعى للتفكير في زمن الوباء المستشري ( كورونا )، والجميع ينادي بضرورة إتاحة
فرص التعليم للجميع بغض النظر عن الجنس أو
مكان السكن أو الطبقة الاجتماعية، و في كل الاوقات، عادت مفاهيم التعلُم عن بعد،
واستخدام التكنولوجيا في التعليم لتحتل موقع الصدارة في اهتمامات المفكرين
التربويين ليس على الصعيد الوطني فقط بل على مستوى العالم، وهذا بمجمله لن يحسن
التعليم والتعلم بل سيحسن كل مظاهر الحياة ،
حيث يجب أن تتوافر التكنولوجيا في المنهاج المدرسي وفي غرفة الصف، وفي
أساليب التدريس والأنشطة والوسائل التعليمّية- التعلميّة، إلى غير ذلك من الأمور
التي تُلبي حاجات جميع الطلبة على اختلاف إمكانياتهم وقدراتهم، وهذا يتطلب توفير
المحتوى المناسب ووسائل الربط الإلكتروني ومصادر المعرفة الرقمي لمحاكاة مجتمع
متنوع وضمان التعلُم للجميع ، ولأن التعلُم عن بعد لا يحقق الإنتاجية المطلوبة،
إذا بقي متروكاً للجهود الفردية للمعلمين والطلبة وقدرتهم في الوصول إلى شبكة
الإنترنت، وإمكانية استخدامهم لأحدث التطبيقات التي تساعد على شرح دروس تفاعلية
وإنجاز الامتحانات، وهو ما يقودنا للبحث في مفهوم التعلم والتعليم ومفهوم التعلم
عن بعد.
أنَ التعلم عن بُعد هو أحد طرق زيادة
كفاءة أشكال التعلُّم وأساليبه في كل الظروف، و جاءت الحاجة اليه نتيجة التطوُّر
الكبير في التقنية المعلوماتيَّة ووسائل الاتصال الحديثة مما أدى إلى رواج
استخداماتها التعليميَّة وظهور أشكال وأساليب جديدة أكثر فعاليَّة منها، إذ يجب من
حيث المبدأ أن نفرق بين التعلُّم عن بُعد كبديل للتعلُّم التقليدي، إذ يترتب على
الالتحاق بمناهج التعلُّم عن بُعد إكمال مرحلة تعليميَّة أو الحصول على مؤهل، وبين
التعلُّم عن بُعد كمكمّل للتعلُّم التقليدي ، عبر صفوف افتراضية، وبذلك سيكون
لدينا متعلم نشط، ومعلم غير ملقّن في سياق التعلُّم مُتعدِّد القنوات في كل الظروف
والحالات الناشئة.
التعليم المتمازج هو أسلوب مألوف اعتاد
تطبيقه الكثير دون الالتفات للمسمى، ولتوضيح الفكرة بشكل علمي، فإن المزيج كما
نعلم يتكون من عدة عناصر لينتج خليطاً متجانساً له غرض وفائدة، ومنه نرى أن التعلم
المزيج هو خلط ومزج العنصرين التعلم التقليدي والالكتروني معاً في الدرس لتحقيق
وإنجاح النتاجات المرجوة منه، ولنفهم ذلك أكثر فأن التعلم التقليدي الذي اعتدناه
هو أن يحضر إلى الغرفة الصفية المعلم وطلبته، ليمثل المعلم هنا دور مدير الموقف
الصفي، ويتم التفاعل التربوي المباشر بين العناصر الأساسية للتعلم في الغرفة
الصفية. بينما نعرف التعلم الإلكتروني أنه التعلم باستخدام التقنيات الحديثة
لتطوير وتحسين مصادر التعلم المختلفة، والذي يقوم على إعادة صياغة المحتوى معتمداً
على نظريات التعلم باستخدام الوسائط الإلكترونية المتعددة لتحقيق النتاجات المرجوة
بتوفير بيئة تفاعلية نشطة من خلال برامج إدارة المحتوى؛ وهذا لا يحدده الزمان أو
المكان، ويعتبر التعلم المتمازج “المخلوط” أفضل أنواع التعليم الالكتروني المطبقة،
إذ تتكامل فيه أساليب التعلم الالكتروني والتقليدي معاً “التعلم المتكامل”، وبه
تتفاعل العناصر التقليدية مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، و تتطلب تخطيط
المعلم لأنشطة صفية تفاعلية مرنة بين الطلاب كالعمل التعاوني، مرتبطة بأنشطة فردية
التعلم مراعيةً الفروق الفردية ونمو التعلم عند الطلبة، وكلا الأنشطة تنمي مهارات
التفكير العليا، مع ضرورة التقييم المستمر لأداء لطلبة لإثارة الدافعية وكسر جمود
الحصة الصفية، وهنا يمكن للمعلم أن يختار أدوات التقييم المناسبة له سواءً كانت
تقليدية أو الكترونية حيث أنها تعتمد على المصادر الإلكترونية المتاحة، وعدد
الطلبة وغيرها من العوامل.
أن التعلم المتمازج يخدم مهارات القرن
الواحد والعشرين، والتي تبدأ بيُسر العمل به إذ يمكن تطبيقه في الغرفة الصفية و
خارج حدود المدرسة الزمانية والمكانية،
ويرفع العبء عن المعلم في تلقينه الطلاب للدرس، وتحمل عناء ملل الموقف التعليمي،
مؤمناً التفاعل المطلوب في الحصة، مخففاً الأعباء الإدارية من خلال الوسائل
الإلكترونية في إيصال المعلومة والأنشطة المنزلية للطلبة وتقييم العمل. ويمنح
المعلم فرصة لإدارة المصادر التعليمية المتاحة له بحكمة وذكاء.
إنَّ التطوُّرات العديدة والكثيرة التي
شهدتها نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين في المجال التكنولوجي
ووسائط أو وسائل الاتصال" الثورة الرابعة" ساهم كثيراً في تقدُّم
الجوانب التربويَّة والتعليميَّة، وبسبب الزيادة الكبيرة لعدد سكان العالم وصعوبة
توفير فرص التعلُّم للجميع إلى جانب فوات الأوان للعديد من البشر عن انتهاز فرص
التعلم، كل ذلك ساهم في ظهور طرائق أو أساليب جديدة للتعلُّم تلبي تلك الاحتياجات
المتزايدة بخطوات سريعة، وانطلاقا وتعزيزا لمبدأ (التعلم للجميع) ظهر نظام التعلُم
عن بُعد، وعلى هذا الأساس يتمكَّن المُتعلِّم أن يزاوج بين التعلُّم والعمل إن
أراد ذلك، وأن يكيف المنهج الدراسي وسرعة التقدُّم في المادة الدراسيَّة بما يتفق
والأوضاع والظروف الخاصة به، وأيضا فالتعلُّم عن بُعد نظام لتوفير التعلُّم للناس
أو الأفراد سواء أكان هذا التعلُّم هو استكمالاً لنظام التعلُّم الصفي التقليدي أم
نظاما مستقلا باستخدام أساليب مُتعدِّدة ومُتنوِّعة، وأيضا فالتعلُّم عن بعد ينص
على التعلُّم الذي يعتمد على توظيف التقنيات التربويَّة سواء في إعداد النظام
التعليمي القائم على الدراسة الذاتيَّة أم في إعداد المواد التعليميَّة القائمة
على التعلُّم الذاتي أو في استخدام الوسائل أو الأساليب التقنية الحديثة أو في
تقويم المناهج التعليميَّة أو تقويم تحصيل المُتعلِّمين.
إنَّ التعلُّم عن بُعد وعن قرب
معا" التعليم المتمازج" يعد تعليمًا جماهيريًا يقوم أساسًا على فلسفة
تُؤكد حق الأفراد في الوصول إلى الفرص التعليميَّة المتاحة، بمعنى تقديم فرص
التعلُّم والتدريب لكل من يريد في الوقت والمكان الذي يريده دون التقيد بالطرائق
أو الأساليب والوسائل الاعتياديَّة المُستخدَمة في عمليَّة التعلُّم التقليدية،
لضمان استمرارية العملية التعليمية في كل الظروف، للإيفاء بحق الطلبة في التعليم
كما كفلته الدساتير، والمواثيق والعهود الدولية باعتبار التعليم حق إنساني وأساسي
للطلبة في كل الظروف.