بقلم: الدكتور يعقوب ناصر الدين
تعرض قطاع التعليم العام والعالي لأصعب
الاختبارات، وأشد التحديات على مدى الثلاثة أشهر الماضية، نتيجة جائحة الكورونا
التي عطلت المصالح العامة في العالم كله، ووضع بلدنا في مواجهة حازمة للسيطرة على
الوباء في حده الأدنى، وحققت في هذا الشأن نجاحا كبيرا بالمقارنة مع كثير من الدول
في المحيطين الإقليمي والعالمي، وذلك فضل الأداء المتميز لمركز الأمن وإدارة
الأزمات وبإشراف مباشر من جلالة قائدنا الملك عبدالله الثاني بن الحسين، وكفاءة
قواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية ووزارة الصحة بشكل خاص، إلى جانب أوامر الدفاع
والإجراءات الحكومية، والتفاعل الشعبي المناسب مع الجهود الوطنية لمكافحة الوباء.
استيعاب مع حدث لم يكن سهلا علينا ولا
على غيرنا، ولكن لا بد أن نتذكر دائما أن استمرار عملية التعليم في جميع مراحلة
كان من أولى الأولويات خلال فترة الحظر الشامل التي تعطلت فيها المصالح العامة،
ودخل هذا القطاع تجربة غير مسبوقة في التعليم عن بعد عبر الامكانات التواصلية من
أجهزة وتطبيقات إلكترونية تدل النتائج الأولية على أنها تمت بصورة جيدة، خاصة في
قطاع التعليم الأكاديمي الأكثر قدرة على فهم ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
والتعامل معها.
في وقت مبكر نسبيا جاءت مبادرة جمعية
رجال الأعمال الأردنيين وبجهد مشكور من رئيسها معالي الأخ حمدي الطباع بتقديم
المشورة للحكومة حول أثر الأزمة على الاقتصاد الوطني ، وتم تحديد مكوناته ب 15 عشر
قطاعا اقتصاديا وتشكيل لجان لها، تشرفت
أنا بحمل مسؤولية لجنة قطاع التعليم التي أقامت شبكة اتصال وتشاور مع القيادات
التعليمية المدرسية والجامعية، وعملت على عرض واقع ومشكلات هذا القطاع والحلول
المقترحة على الحكومة لشد أزره في مواجهة التحدي، والبناء عليه للمرحلة القادمة.
من المعروف أن القطاع الخاص يحتل مكانة
مهمة من عملية التعليم في بلدنا وأنه نوع من الاستثمارات الوطنية في هذا المجال
والتي تقدر بما يزيد عن أربعة مليارات دينار أردني في القطاعين العام والخاص،
ويتمتع بميزات تنافسية وقيمة مضافة عالية جدا، وتعتبر مخرجاته الأفضل على مستوى
العالم العربي.
لا شك أن التداعيات الاقتصادية لجائحة
الكورونا على قطاع التعليم الأردني كبيرة ومقلقة، من الناحيتين الإستثمارية
والتعليمية والبحثية ما لم تتخذ الاجراءات الصحيحة والعملية التي تضمن تعميق قدرة
القطاع على إدخال عمليات التعليم عن بعد كجزء من العملية التعليمية من الآن
فصاعدا، بكل ما يترتب على ذلك من تكاليف وقدرات ومهارات، مع الأخذ في الاعتبار
المخاطر المترتبة على ذلك من حيث مدى نجاعته بالنسبة للتخصصات العلمية والتطبيقية
وبعض التخصصات في العلوم الإنسانية، فضلا عن التكاليف الباهظة المتوقعة من حيث
توفير عناصر وأدوات ومهارات التعليم الإلكتروني بالنسبة للمدرسين والطلبة على حد
سواء.
لقد رفعت لجنة التعليم التي أشرت إليها
تقريرا ضافيا عن التحديات القديمة والجديدة التي يواجهها هذا القطاع وحلول مقترحة
ضمن التقارير التي عرضتها الجمعية على الحكومة من أجل اخذها في الاعتبار في
القرارات التي تتخذها لمواجهة الآثار الاقتصادية لأزمة الوباء، وكما هو الحال الذي
تعودنا عليه ما زلنا في الحد الأدني من مفهوم الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام
والخاص للتصدي لمجمل أزمتنا الاقتصادية السابقة واللاحقة لأزمة الكورونا ، تلك
الشراكة التي تقوم على التخطيط والتنفيذ وتحمل المسؤولية المشتركة التي دعا إليها
جلالة الملك في مناسبات عديدة.
تكمن المشكلة في مسألتين: الأولى عدم
إدراك القيمة الحقيقة للاستثمار في قطاع التعليم كجزء من الاستثمارات الوطنية، رغم
أن عملية النهوض الشامل تعتمد أساسا على مدى جودة مخرجاته العلمية والبحثية وارتباطها
بالتنمية الشاملة وحاجة السوق للقوى البشرية المتعلمة والماهرة لتكون بديلا عن
القوى البشرية التقليدية، ومعظمها عمالة وافدة تعمل في قطاعات الزراعة والخدمات
والإنشاءات، وفي ذلك دليل على غياب العلاقة التبادلية بين عناصر وعوامل ومكونات
النهوض الاقتصادي وبين المستوى التعليمي والمعرفي للقوى البشرية العاملة في
القطاعات الاقتصادية.
أما المسألة الثانية فهي تلك المرتبطة
بالصورة الذهنية السائدة عن الجامعات الرسمية والخاصة، فهي إما مدينة أو عاجزة أو
متعثرة ، أو مدارس، إما أنها تبالغ في اقساطها المدرسية، وإما تفتقر للحد الأدنى
من البيئة المدرسية الملائمة، بحيث تشكلت فكرة مفادها أن تكلفة التعليم أعلى بكثير
من عوائدها، وتلك نظرة بعيدة عن الحقيقة التي تعترف بها المنظمات الدولية ومنها
اليونسكو بأن التعليم في الأردن يضاهي في مجمله نظيره في دول غنية لا يعوزها الصرف
على التعليم.
اليوم نحن أمام الاختبار الكبير عندما
نتحدث عن انعكاسات الأزمة الاقتصادية على قطاع التعليم، والجزء الأكبر لتجاوز هذه
الاختبار يعتمد على تصحيح تلك النظرة وإعادة توصيف هذا القطاع ضمن معايير الاقتصاد
الوطني، ومساندة جهودة واحتاجاته العاجلة لتعديل مساره في ضوء اعتماد التعليم
الإلكتروني كجزء أساسي من عملية التعليم العام والأكاديمي، والحرص على عودة الطلبة
الأجانب الذين يقدر عددهم بخمسين ألف طالب وطالبة إلى دراستهم الجامعية في الأردن،
والتعويل عليه لكي يكون رافدا ورافعة للاقتصاد الوطني وليس ضحية من ضحايا أزمته.