عام 1955 ابتدأت الحرب بين فيتنام الشمالية
المدعومة من الصين من جهة وفيتنام الجنوبية المدعومة من الولايات المتحدة
الأميركية من جهة أخرى. استمرت الحرب حتى بداية شهر نيسان عام 1975 عندما احتل
الفيتكونج الشماليين معظم أراضي فيتنام الجنوبية وحاصروا عاصمتها سايجون.
في يوم 21 نيسان قدم الرئيس الفيتنامي الجنوبي هونج استقالته وهو يبكي قائلاً
"لقد خانت أميركا حلفائها وتركتنا لقمة سائغة للفيتكونج". في جو من
الهزيمة بدأ ترحيل الأميركيين وبعض من حلفائهم الجنوبيين إلى مطار سايجون واستمر
ذلك حتى صباح يوم 29 نيسان عندما تم تدمير المطار فتحولت السفارة الأميركية إلى
نقطة تجمع للهروب. كانت طائرات الهليكوبتر تهبط كل عشرة دقائق فوق سطح غرفة كبيرة
مبنية على سطح الطابق الرابع من مبنى السفارة حيث تجمع هناك مئات الأشخاص وتسلق العشرات
منهم سلماً حديدياً طويلاً ليصلوا إلى المهبط.
أعتبرت تلك أكبر عملية ترحيل بالهليكوبتر في التاريخ وأطلق عليها اسم "الرياح
المتكررة" حيث تم نقل الآلاف إلى حاملات الطائرات الأميركية المُنتظِرة. مساء
يوم 29 نيسان صدرت الأوامر بترحيل الأميركيين فقط وتـَرْك الفيتناميين الجنوبيين. تقرر
أن تغادر آخر طائرة الساعة السابعة صباح يوم الثلاثين من نيسان. الصحفي الهولندي
فانهيس كان يتمركز في ذلك الصباح في مبنىً مقابلٍ للسفارة فسجل بالكاميرا تلك اللحظة
التاريخية عندما ُمنيت أكبر قوة على سطح الأرض بالهزيمة. العشرات من الفيتناميين الجنوبيين
يقفون فوق ذلك السلم الحديدي الطويل المؤدي لمهبط الطائرة بينما الريح العاتية تعصف
في وجوههم ورصاص القناصة يأز من حولهم. مساعد الطيار يقف فوق سطح المهبط ليمنع
الناس من الوصول إلى الطائرة الممتلئة بالأميركيين. اثنان من الجنوبيين ينجحان في
ترك السلم والوصول إلى سطح المهبط. يدلف مساعد الطيار هرباً إلى داخل الهليكوبتر
التي ابتدأت محركاتها بالدوران ومعه ينجح جنوبي واحد فقط في أن يرمي نفسه إلى داخل
الطائرة. الكاميرا جسدت الذهول والحسرة والصدمة والألم بينما المئات على سطح مبنى
السفارة والآلاف من حولها يحملقون في الفضاء انتظاراً لطائرات هليكوبتر لم تأت قط.
بعد مرور ساعة على مغادرة آخر طائرة لمبنى السفارة اقتحمت الدبابات الفيتنامية
الشمالية أسوار القصر الرئاسي لتضع نهاية ً لمعركة سايجون وحرب فيتنام.
كانت خسائر أميركا في الحرب ستين ألف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى بينما
تكبدت فيتنام مليون قتيل وثلاثة ملايين جريح. عام 1998 تم هدم السفارة الأميركية
في فيتنام لبناء مبنىً جديد وتم نقل السلم الحديدي إلى أميركا. اذا زرت الولايات
المتحدة وتوجهت الى ولاية ميتشجان فسوف تجد متحف الرئيس الاميركي جيرالد فورد.
تتجول داخل المتحف فتجد حرب فيتنام مجسدة أمامك بصورها وأحداثها وبالموسيقى التي
كانت سائدةً آنذاك. في زاوية من المتحف تجد طائرة هليكوبتر مدهونة باللون الزيتي
المموج وهي نفس الطائرة التي قامت بالطلعة الأخيرة أثناء عملية "الرياح
المتكررة". بجانب الطائرة يرقد السلم الحديدي الشهير الذي َشَّكل قطعة من
تاريخ القرن العشرين. تقف هناك وتستمع إلى تسجيل صوتي للرئيس فورد يقول فيه
"يوم الثلاثين من نيسان عام 1975 أغلقنا أبوابنا أمام هؤلاء الذين كانوا
يقفون على سطح السفارة الأميركية للهرب من قمع الديكتاتورية الفيتنامية الشمالية
فأضحى ذلك عاراً أُضيف إلى هزيمتنا العسكرية المذلة".
يقول "ايرنست هيمنجواي"
الكاتب الأميركي الشهير الذي نال جائزة نوبل للآداب: "الإنسان لم ُيخلق لكي ُيهزم
وما ينطبق على الإنسان كمخلوق ينطبق على الأمم. يستطيع أي جيش محتل أن يدمر المدن
والجسور والمدارس والاقتصاد ولكن روح الشعوب لا يمكن تدميرها".
[email protected]