بقلم: الدكتور عواد النواصرة
الفقر بمفهومه الاوسع من اهم الامور المقلقة في الأردن ونرى ان الحكومات المتعاقبة تحاول اظهار الموضوع انه من أهم أولوياتها فمن خلال خطاب نيل الثقة لحكومة الدكتور هاني الملقي امام مجلس النواب الثامن عشر تم استعراض الفقر بكل المجالات ومن ناحية اخرى تركزت كلمات النواب حول الموضوع نفسه وبقوالب مختلفة. والمهم هنا هل توصلنا الى مفهوم واضح للفقر بالأردن يرتبط بخصوصية المجتمع الاردني أي مفهوم اوسع واكبر من كلمة الجوع السائد في اذهان من يسمع كلمة الفقر. يكاد المفهوم العام للفقر لا يحفى على احد فالفقراء يعرفونه جيدا لأنه عايشوه وتعايشوا معه والأغنياء تعلموه في ميادين الدراسة المختلفة ورأوه في اعين الكثير اما اثناء استعراضهم لقوتهم المادية برفاهية وسائل الحياة الراقية او من خلال بعضهم لرعايتهم شؤون بعض الاسر وهم قليل. لقد تشعب مفهوم الفقر في الاردن الى مجموعة متشابكة من ألتأثيرات قد تكون كافية لتدمير المجتمع بالكامل أن الفقير في الغالب ينشغل بسد جوعه عن العلم والثقافة فلا يبقى له الوقت الكافي للتعلم والثقافة وهي اهم اركان بناء الدولة في أي مجتمع طامح للتميز والرقي.
ان الواقع المؤلم للفقر في المجال السياسي للدولة يتمثل في ظهور نوع من الاستبداد السياسي والتبعية السياسية في الداخل من خلال أن القوة تكون لأصحاب الأموال والنفوذ في الداخل والتبعية السياسية للخارج حيث أن معظم الفئات الغنية القادرة تبذل كل جهودها لاستغلال الفقر لصالح مصالحها الاقتصادية والسياسية لتحقيق المكاسب السياسية المختلفة. اما الاخطر فهو الشأن الخارجي من خلال التبعية الاجتماعية للدول المانحة حيث لا تعطي الأموال ـمجاناً ـوإنما تحاول التغلغل في المجتمع الفقير والتأثير فيه دينياً واجتماعياً وجعله تابعاً لها. ويشتد خطر الفقر من خلال هجرة العقول والعمالة إلى الخارج فمعظم الكفاءات العلمية تبحث عن مصدر للرزق في دول اخرى والفقر هو المحرك الرئيس لتلك الفئة والتي لو توافرت لها الحياة الكريمة لما حرمت منهم الاوطان وساهموا بشكل واضح في تطور الدولة من نواحي البحث العلمي وإدارة موارد الدولة بشكل افضل فعدد حملة الشهادات خارج الاردن قد فاق التوقع وبالتالي حرمنا منهم والسبب الفقر بمفهوم اخر.
انتشار الجرائم مثل القتل والسرقات والاختلاس الناتج من انخفاض الدخل ومستوى المعيشة والرغبة في الثراء أو الحصول على المال لسد احتياجات الأسرة ناهيك عن زيادة الجرائم بين الشباب والنساء والأحداث فلا شك أن للفقر أثره الكبير في زيادة الجرائم التي تقع من هذه الفئات ومن مخاطر الفقر ايضا على الدولة الاضطراب السياسي وعدم الاستقرار حيث تدل التجارب الواقعية على أن الفقر أحد أسباب الفوضى والاضطراب في الدولة.
لم يتطرق السادة النواب في كلماتهم لتلك المفاهيم بشكل مباشر إلا ما ندر فقد تركزت طلباتهم بشكل خدمي دون ابداء اي حلول جذرية مستدامة تؤدي الى توزيع الثروات وفق مشاريع مدروسة وعدم تركزها في العاصمة وحرمان الباقي فالمخدرات وجرائم القتل وانخفاض مخرجات التعليم من حيث الجودة في المدارس والجامعات والتفكك الاسري وضعف الوازع الديني والسطوة السياسية لأصحاب رؤوس الاموال والواسطة والمحسوبية. فنحن بحاجة ماسة الى معهد خاص بالأردن لدراسة السياسات السكانية وتأثير الفقر بمفهومة الاوسع على شرائح السكان المختلفة لعل وعسى ان تحل تلك المشاكل على المدى المنظور. حمى الله الأردن وأبقاه عزيزا كما كان وحفظ الله الملك.