محمد أبو رمان
تتجاوز أهمية "تقرير أوضاع حقوق الإنسان في المملكة الأردنية الهاشمية 2015"، الصادر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان، رصد حالة حقوق الإنسان في المملكة وتقييمها والتعريف بالانتهاكات التي حدثت وتقييم تعامل السلطات إلى بناء رؤية فلسفية وطنية عميقة تؤطّر موضوع حقوق الإنسان.
التقرير يطرح أسئلة بنيوية، في رأيي، تتطلب نقاشاً معمّقاً بين المعنيين في الدولة، تتعلّق بجدلية العلاقة بين الأمن وحقوق الإنسان، وكيف يمكن ضبطها بصورة صحيحة، تكفل حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وكرامته من جهة ولا تؤثّر على "الأمن الوطني" و"العام" من جهةٍ ثانية، ويقدم معدّو التقرير تصوّراً أساسياً مهماً للحالة الأردنية واقعياً ونظرياً ومقارنتها بالمواثيق العالمية.
في لُبّ هذا المدخل المهم والأساسي في التقرير يتم تناول مفهوم "الأمن" والعمل على إعادة تعريفه بصورة شاملة، بما يمكّن من استدخال مفهوم الحريات العامة والفردية في الإطار العام له، لتكون عملية مراعاة "الحقوق" و"الحريات" وحمايتها جزءاً من التفكير الرسمي، لا أمراً ثانويا!
يقرّ التقرير بأنّه بالرغم من إحداث تطورات إيجابية مثل إقرار الوثيقة الوطنية لحقوق الإنسان وبعض التحسينات في إيجاد سجل للتعذيب والتعامل مع انتهاك الأمن لحقوق الإنسان، إلاّ أنّه ومن خلال الرصد العام يمكن للقارئ أن يلاحظ بأنّنا ما نزال نراوح مكاننا في هذا المجال، فنتقدم خطوة هنا، ونتراجع خطوتين هناك، وأنّ هذا الملف "أي حقوق الإنسان" محكوم بالتطورات السياسية الداخلية والخارجية وبالظروف، وليس بالقواعد القانونية الثابتة!
الأهمّ من هذا وذاك أنّ النتيجة - التي يمكن أن نخلص إليها، بعد أعوام من العمل الجادّ والمثمر والمتواصل من المركز الوطني لحقوق الإنسان في هذا المجال- مخيّبة للأمل على صعيد التزام الدولة بتحويل حقوق الإنسان إلى ثقافة سلوكية في ماكنة عمل مؤسسات الدولة المختلفة، القضائية أو الأمنية أو حتى في سياساتها الاقتصادية.
ربما من أهمّ النقاط التي يتحدث عنها التقرير موضوع "التمدّد" و"التوسع" من قبل السلطات في توظيف قانون منع الإرهاب للتضييق على الحريات العامة وتجاوز القيود القانونية الأخرى في التعامل مع المعارضة أو حتى الموقوفين السياسيين، ما يفسّر ارتفاع حالات احتجاز الصحفيين واعتقال نشطاء حقوق الإنسان في العام 2015 عن الأعوام السابقة، وهي الحالة التي تعيدنا إلى جدلية "الأمن والحرية" التي حاول التقرير أن يطرحها بصورة معمّقة وأن يقدّم منظوراً وطنياً لها.
عند هذه النقطة من الضروري أن نتوقف مليّاً! فاللغة التي كُتب بها التقرير رصينة، تتوافر على رؤية محبوكة متماسكة، لكنّ المعضلة الكبرى والكبرى والكبرى..الخ، أنّ هذا التقرير في "واد" والمسؤولين في الدولة في "وادٍ آخر"!
أتخيّل أنّ هذا التقرير، بعدما يتم الاحتفال به والإعلان عنه، يوضع في الأدراج، ويضاف إلى أشقائه من التقارير السابقة، ومثله تقارير ووثائق سابقة مهمة وشبيهة، ولن نجد مسؤولاً رفيعاً، مثل رئيس الوزراء، أو وزراء، أو مسؤولين آخرين في الدولة يفكّرون في فتح التقرير وعرضه على النقاش العام بين مؤسسات الدولة ودراسة ما يمكن القيام به لجسر هذه الفجوة- الفضيجة بين هذا التقرير، الذي يعدّه مركز وطني رسمي، يمتلك المصداقية العليا من جهة، وماكينة المؤسسات الأخرى في الدولة من جهةٍ أخرى.
ربما هذا يعيدنا إلى السؤال المسكوت عنه؛ فيما إذا كان الهدف من إنشاء المركز الوطني لحقوق الإنسان هو بالفعل تطوير واقع حقوق الإنسان أم أنّ المركز وُلد "معزولاً" عملياً عن "الجزر" الأخرى في الدولة، وما يصدر عنه من تقارير وما يقوم به من دور رقابي أصبح أمراً روتينياً لا يعني أي تغيير لدى المسؤولين!
عن الغد