حالة الجدل غير الملائمة التي اكتنفت العلاقة بين وزارة التعليم العالي والجامعات وعلى الأخص الجامعة الأردنية تُعيد إلى الأذهان حالة الاستقطاب والعناد والتحدي الأكاديمي المستند إلى فهم منعزل لاستقلالية الجامعات يمكن فهمه وتفهمه بوضوح في الظروف العادية والتي لا يجوز فيها الاقتراب من تلك الاستقلالية؛ في حين أن الظروف الحالية وما رافقها من تفعيل قانون الدفاع يستدعي شمول أحكامه لكافة الظروف والتحديات المرافقة لجهد الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها لاحتواء الجائحة وفي مقدمتها قضايا الطلبة وحسن سير. قطاع التعليم في كل مراحله.
المادة الثالثة من قانون الدفاع وفي الفقرة (ج) منها أعطت رئيس الوزراء صاحب الحق في إصدار أوامر الدفاع صلاحية تفويض من يراه أهلاً للقيام بذلك ، وهذا المفهوم يشمل الشخص الطبيعي والاعتباري على حد سواء . ولأن حالة الجدل تلك لا يجوز أن تبقى حاضرة في هذا الظرف الوطني الدقيق فإن الضرورة الوطنية والأكاديمية لإصدار أوامر دفاع لمعالجة الأوضاع الاستثنائية في العمل الأكاديمي في شقيه النظري والعملي تبدو ماثلة للعيان ، وتتطلب إصدار أمر دفاع عاجل يوقف العمل بما يلزم من قانون الجامعات الأردنية وقوانين الجامعات والأنظمة والتعليمات والقرارات المنبثقة عنها ، وتفويض مجلس التعليم العالي لإصدار أوامر الدفاع الفرعية المتخصصة كلما دعت الحاجة أو الضرورة الوطنية لذلك ، وعلى قاعدة تقدير الضرورة بقدرها دون إطناب او تقتير ودون الانتقاص من أهمية التمسك باستقلالية الجامعات في الظروف الطبيعية.
وقد يتطلب الأمر تفويض مجلس التربية والتعليم في إصدار أوامر دفاع لمعالجة الآثار الناجمة عن الجائحة وما رافقهما من الاضطرار لتطبيق نظام التعليم عن بعد في وزارة التربية والتعليم ، وما يتضمن هذا التطبيق من مخاطر وآثار واعتراضات قد تنشأ عن تطبيق الأنظمة المعمول بها أو الاستجابة لمقترحات أطراف العملية التعليمية من الطلبة والمعلمين والمناهج ونقابة المعلمين وغيرهما ، ذلك أن تفويض المجلس دون غيره يعبر عن الالتزام بمبادئ ديمقراطية التعليم من جهة وتوزيع المسؤولية الوطنية على أكثر من شخص وجهة ، وتفويت الفرصة على الذين يتهمون الحكومة بالاستحواذ المقصود على الشأن التربوي والتعليمي ، ومن جهة أخرى تبقى الحكومة حاضرة من خلال وجود الوزير المختص على رأس المجلس في الحالتين : في التربية والتعليم وفي التعليم العالي .
الظرف الوطني والأزمة الوبائية لا تحتمل التمسك بمفاهيم كانت ضرورية وتستوجب التطبيق قبلها ، ومنها مفاهيم والاستقلال الكامل والحصانة المطلقة بعد أن طفقت حالة الضرورة كمفهوم يستحق الأولوية ، ويستوجب التطبيق دون استنفاذ وقت الدولة في جدل لا يساعد على احتواء الوباء ومعالجة الأزمة . سيّما بعد أن بلغ الجدل مداه حول مسالة بسيطة تحتاج قراراً محدداً وحازماً في تقييم الطلبة واختباراتهم ، وهو شأن لا يجوز للجامعات أن تتمسك به في ظل تفعيل قانون الدفاع الذي يمكّن رئيس الوزراء أو من يفوضه بذلك أن يعطل تطبيق أي نص قانوني أو قرار يخالف أمر الدفاع .
لعل الإسراع بإصدار أمر دفاع عام قد أضحى ضرورة في ضوء إصرار بعض الجامعات على التمسك بقرارات رؤسائها ومجالسها على قاعدة أولوية الحرص ، ودون التنبه لمبدأ المساواة الشاملة التي تريد الدولة تطبيقه على مواطنيها دون التوقف عند الأحكام التفصيلية لتشريعات وقرارات كل جامعة على حدة ، سيّما وأن الوقت قد بدأ ينفذ بسرعة لمعالجة كل القضايا المتعلقة بالجامعات والمدارس وما يرافق ذلك من حالة القلق والإحباط التي تعتري المزاج الأكاديمي للطلبة في قطاعي التربية والتعليم، والتعليم العالي على حد سواء .
وحمى الله وطننا الحبيب وشعبنا الطيب وقيادتنا الحكيمة من كل سوء ، والتحية مزجاة للمعلمين والطلبة في كل أرجاء الوطن الغالي...!!