جاء وباء فيروس كورونا ليزيد من تجذر الأزمة السياسية التي تغرق فيها "إسرائيل". وها هي الحياة السياسية الإسرائيلية هناك تشهد صراعا مريرا مركزه الأساس تمسك رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) بمنصبه ودفاعه عن بقائه السياسي مستغلا ظهور الوباء في سياق محاولاته التهرب من إحالته إلى المحاكمة مع ثلاث لوائح اتهام ضده، علاوة على أنانية (بين غانتس) زعيم "أزرق أبيض" ورغبته بتحقيق مكاسب له ولحزبه.
لقد صدرت أصوات إسرائيلية كثيرة تؤكد على أن (نتنياهو) استغل لمصلحته أزمة انتشار الفيروس من أجل حل الأزمة السياسية المتمثلة بالفشل المتواصل بتشكيل حكومة جديدة. وقد تعززت قوة (نتنياهو) السياسية، مع قبول (غانتس) الانضمام إلى حكومة وحدة برئاسة (نتنياهو) ما أظهر ضعف (غانتس) في أعين زملائه. وبمجرد إعلانهما عن التوصل إلى تفاهمات بشأن تشكيل حكومة وحدة، هاجم (موشيه يعالون) (غانتس) معتبرا أنه: "خان القيم التي ترشح باسمها لرئاسة الكنيست والحكومة". وكتب يقول: "آخر شيء توقعه الناخبون الذين صوتوا لصالحنا من "أزرق أبيض" هو أن نكون جزء من تدمير الديموقراطية والتخلي عن القوانين التي تسعى لحماية سيادة القانون والفصل بين السلطات والتخلي عن طرح بديل حكومي وإنقاذ المتهم نتنياهو من المحاكمة". أما رئيس الكنيست الأسبق (أبراهام بورغ) فقد وصف (غانتس) بالقول: "مسيح آخر لليسار اتضح أنه المسيح الدجال. غانتس الكذّاب انضم إلى نتنياهو المحتال، وقام ائتلاف الذئب والحمل. من المثير للاهتمام أن نعرف مَن سيأكل الآخر ومتى. مرة أُخرى، اتضح أن حقبة القادة العسكريين في السياسة الإسرائيلية قد انتهت. جنرال شجاع أزرق العينين، هو ليس أكثر من شخص ساذج سياسياً، ممسحة أرجل للمحترفين الحقيقيين". وقد اعتبر عديد الكتاب والسياسيين الإسرائيليين أن (غانتس) خان كل الوعود التي قدمها لناخبيه خلال الحملات الانتخابية الثلاث التي خاضها ضد (نتنياهو). وكانت النتيجة الفورية لهذه الخطوة تفكك حزب "أزرق أبيض" وتفرّق الأحزاب المؤلِفة له.
اليوم، في الوقت الذي تسير فيه المفاوضات على قدم وساق بين (نتنياهو) وما تبقى من "أزرق أبيض" المنحل الذي يرأسه (غانتس)، سرعان ما ظهرت الخلافات. فها هو (غانتس) الذي اعتبر ممثل تيار اليسار – الوسط، يجد نفسه في موقف ضعيف أمام مفاوضيه أصحاب الأجندات اليمينية ذلك أنه مع انسحاب حزبي "هناك مستقبل" و"تيليم" من تحالف "أزرق أبيض" ينتظر الجميع إجابات (غانتس) بشأن موقفه من الخطوات السياسية التي يعتزم التحالف اليميني – الديني بقيادة (نتنياهو) تمريرها، وعلى رأسها فرض السيادة على الضفة الغربية، واستغلال ما يعتبرونه فرصة سانحة في ظل الدعم الأمريكي وما ورد من أطروحات في "صفقة القرن".
ورغم التفاؤل المعلن من (نتنياهو) و(غانتس)، فإن الصحافة الإسرائيلية تشير إلى توقع فشل المفاوضات ووصولها سريعا إلى مأزق، وذلك على خلفية مسألة فرض السيادة على الضفة الغربية. فبحسب صحيفة "إسرائيل اليوم"، أكدت مصادر إن "المفاوضات وصلت إلى مأزق، على خلفية مسألة فرض السيادة على الضفة الغربية، وهو ملف أعلن غانتس أنه يؤيده حين تمت دعوته إلى البيت الأبيض لمناقشة تفاصيل "صفقة القرن" في كانون الثاني/ يناير الماضي، بيد أن حملته الانتخابية لا تسير على هذا النهج، إذ يقول مراقبون إنه أبدى موافقته على الضم لجذب أصوات قطاعات لا تنتمي لليسار – الوسط، ليس أكثر". وذكرت مصادر بحزب "الليكود" للصحيفة، في المقابل، أن "مسألة فرض السيادة على الضفة الغربية كانت واضحة في أجندة غانتس، وأنه أبدى موافقته منذ البداية، لذا فإن الحزب لن يسمح له بأن يعارض هذه المسألة خلال جلسات التصويت في الكنيست".
أما العقبة الأساسية الثانية، فتكمن في موقف (غانتس) وفريقه من رئاسة الكنيست، حيث يخشى أن تعود كتلة اليمين بزعامة "الليكود" لمنح هذا المنصب لرئيس الكنيست المستقيل (يولي ادلشتاين). وهذا ملف "مصيري" من وجهة نظر (غانتس) لأنه أساس الاتفاق مع (نتنياهو) بشأن التناوب وتوزيع المناصب، وهو الاتفاق الذي تمسك به (غانتس) حتى على حساب انهيار تحالفه "أزرق أبيض". وبحسب "يديعوت أحرونوت"، "هدد (ادلشتاين) بأنه في حال لم يعد لمنصب رئيس الكنيست، فإنه سينسحب من الائتلاف وسيأخذ معه العديد من النواب، وهو التهديد الذي يبدو أنه أعاد ملف رئاسة الكنيست إلى طاولة المفاوضات بين (نتنياهو) و(غانتس)، وفقا للصحيفة.
أما العقبة الثالثة البارزة فتتعلق بمسألة توزيع الحقائب الوزارية، باعتبار أن "أزرق أبيض" لم يعد بكامل قوته، وأنه يدخل الآن تحالف اليمين في موقف ضعف، ولذا لم يعد يستحق ما يطالب به من حقائب.