صالح عبدالكريم عربيات
لعلنا كنّا ندرك أن لا بطولات حقيقية أمامنا، فالانتصارات والفتوحات فقط في المناهج، وبعد الأندلس لايوجد مَن ضرب (بوكس) وليس (طلقة)، وكنا نشاهد على نشرات الأخبار كيف تنصبّ الجهود على إيجاد حل سلمي لكل ما يواجهنا، بينما مدافعهم ورشاشاتهم لم نكن نسمعها إلا في مراسم العزاء أو في مراسم الاستقبال!
لذلك شعرنا بالنقص والتخاذل، وكنا نعوّض هذا النقص بمتابعة المصارعة الحرة، كون الأرض العربية لايوجد عليها ملاحم بطولية سوى ملحمة سفيان للحوم البلدية والمستوردة!
كان المصارع ضخما بحجم الثور، وكنّا نحفظ حركاتهم واسماءهم أكثر من حفظنا لدروسنا، وقبل أن يدخل الحلبة كان يقوم ببعض الحركات العنفوانية، مثل أن يعض على أسنانه كما لو كان يعاني من مغص شديد، أو أن يصرخ ليدب الرعب في قلب المنافس، وحين يصعد الحَكم إلى الحلبة كنّا نتعجب من استغناء الرجل عن حياته ليعمل بهذه الوظيفة الخطرة، فالحكم عادة مايكون رشيقا، ومهذبا، وشعره عليه (جل)، وبريء جدا لدرجة أنني كنت أعتقد أنه لا يستطيع التنفس مع زوجته، وليس التنفس بين تلك الثيران الهائجة، وهنا كنّا نسأل لماذا يتم اختيار حكم لاحول له ولا قوة لهذه المهمة الخطرة، ولماذا لا يكون مصارعا سابقا أو رجلا ذا بنية جسدية قوية، فأي ضربة تخطئ هدفها من المتخاصمين تصيب الحكم، لن يكون له بعدها ذرية صالحة تحمل اسمه، أو أنه سيعاني من ارتجاج في المخ.
ما إن يطلق الحكم المسكين شارة البداية حتى يلتحم المصارعان، وكان الحكم (يتنقز) مع كل ضربة وكأنه يدرك مصيره المحتوم، سرعان ما يوجه أحدهم ضربة رأس عنيفة للخصم فيقع على الأرض وبلا رحمة يمارس معه أبشع أصناف التعذيب من ركل وسحل، فيتدخل الحكم للفصل بينهما فيتم تنبيهه أن يخرس، ومن ثم يصعد المصارع مرة أخرى على حبال الحلبة ويهوي على خصمه فنعتقد أنه مات، فيتدخل الحكم مجددا فيرفع المصارع يده محاولا ضرب الحكم فيفر ليحتمي بين الجمهور ولا يعود الحكم الى الحلبة إلا بعد عدة وساطات لإكمال اللقاء، في حينها يكون الخصم المطروح قد استجمع قواه، وسرعان ما ينهض ويبدأ بتوجيه لكمات عنيفة فيترنح المنتصر ويسقط، وهنا يتدخل الحكم مجددا فيتم ضربه فيسقط على الأرض ويدخل في غيبوبة، ويبدأ كل من المتصارعين بتوجيه الضربات العنيفة لبعضهما، والحكم على الأرض لاندري إن كان في عداد الأحياء أو الأموات، ولا يبادر أي أحد حتى ليطلب له الإسعاف، وفي نهاية اللقاء يتدخل فريق كل مصارع ويشتبكون مع بعضهم بعضا والحكم مايزال على الارض والكل يمشي من فوقه، وفي النهاية يتم استدعاء حكم الاحتياط ليعلن نتيجة الفائز، بينما الحكم اعتقد أنه لاحقا يتم نقله الى المقبرة !!
دور الحكم المسكين في حلبة المصارعة يشبه تماما دورنا كعرب في صراع الانتخابات الأميركية، يتصارعون فيما بينهم وفي النهاية بينهم فائز، بينما نحن نأكل لكماتهم وفي النهاية شعوبنا إلى المقبرة، فلماذا ندخل بين البصلة وقشرتها؟!
عن الغد