تأتي زيارة الشيخ تميم أمير دولة قطر للأردن في هذا الظرف العربي بالغ الدقة، تتويجا لجهودٍ مثمرة أوصلت العلاقات بينهما إلى أعلى مراتب الحالة الأخوية المثالية، حيث يبدو التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين في شتى المجالات في أزهى صوره، وتُجسّد الزيارة ترسيخا لعلاقات متجذرة تمتد لعقود بين البلدين وإن مرّت هذه العلاقات خلال هذه الحقبة الطويلة ببعض الصعوبات، لكأنها دائما عبرت كسحابة صيف، لم تترك اثرا يُذكر بين الشعبين الشقيقين.
اتسمت العلاقة القطرية الأردنية معظم الوقت بالتضامن بين الطرفين، والإحساس العروبي الصادق بمشكلات العرب أينما كانوا، حيث بدأت هذه العلاقات منذ عهد الملك الراحل الحسين والشيخ خليفة، وعندما تسلم الشيخ حمد بن خليفة القيادة عام (1995)، كان الحسين أول من اتصل بالأمير مهنئا، وبعد أربع سنوات أي في عام (1999) كان الأمير الشيخ حمد -وقتذاك- ينتظر في مطار عمّان لاستقبال الملك العائد من أطول غيبة عن وطنه بسبب المرض، وبعدها كان الملك عبد الله الثاني بدوره أول من يزور الدوحة لتهنئة الأمير تميم الذي تسلم السلطة من الأمير الوالد عام (2013) في بادرةٍ مقدّرة لتداول السلطة.
في وقتٍ يعاني فيه الأردن من ضائقة اقتصادية خانقة، كانت في معظمها ناتجة عن ظروف عربية وإقليمية قاسية، بدا أن هذا البلد العروبي ينهض دائما من بين حفر النار، وكثيرا ما كان يلقى النكران وعدم التقدير، والتدخل بشأنه الداخلي من أنظمة ومنظمات اُبتليت بالتطرف وعدم الحكمة، مما جعل الأمة دائما تعيش في أزمات متعددة ومتلاحقة، دمرت كل آمال الأمة في الوحدة أو العمل المشترك.
في ذات الوقت كانت دولة قطر تعاني الأّمرّين من نظامٍ عربيٍ رسمي لا يعرف الحكمة أو الاعتدال في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية، بل يجيد المكايدات البينية، وهي تكافح الأن بإصرار من أجل رفض التدخلات في شأنها الداخلي، أو الهيمنة على قرارها المستقل، رغم حصارٍ تجاوزت مدته (1000) يوم، لكنها تبدي سياسة تتسم بالحكمة، وسعة الأفق، فتدعو للحوار الذي يفضي إلى إنهاء الأزمة، لكن بعيدا عن الشروط المجحفة وفروض الهيمنة.
كان هناك دائما ما هو مشترك بين سياسة الدولة الأردنية والدولة القطرية، فكلاهما كانتا تدعوان إلى التوسط والاعتدال الذي يقود إلى نبذ الفرقة والاحتقان في الأمة، وكذلك مع القوى الإقليمية والدولية، وكانتا تحاولان دائما الابتعاد عن نهج المزايدة والتطرف، مثلما صنعت أنظمة وقوى تاجرت بالشعارات الرنانة التي جلبت الويلات على الأمة.
في ظل ظروف عربية بالغة السوء، ومحبطة للإنسان العربي أينما كان، ونظام عربي رسمي عاجز تماما، تأتي زيارة الأمير إلى الأردن كنوع من التقدير المتبادل، فهذا الأردن الذي تعرّض لضغوط شديدة من اجل المشاركة في حصار قطر، استطاع بسياسته المعهودة والوسطية أن يمسك بالعصا من منتصفها، مما حظي برضا الأشقاء القطريين، وبقي يدعو إلى حل الأزمة بالحوار والوساطة العربية، لكنه عندما أعاد الأمور إلى نصابها مع دولة قطر ابدى عزيمةً وتصميما على أن تعود العلاقات إلى أحسن مما كانت عليه، وقوبل القرار الأردني بما يستحق من تقدير من القيادة القطرية، بل والشعب الأردني، فتدخلت قطر مباشرة لإنعاش الاقتصاد الأردني عن طريق زيادة أعداد العاملين الأردنيين في شتى المجالات ، وبزيادة الاستثمارات القطرية بشتى القطاعات العقارية والسياحية والتجارية، و-حسب السفير القطري الشيخ سعود آل ثاني- في عمان بلغت الاستثمارات القطرية مليار ونصف دولار مرشحة للقفز باستمرار.
تحظى القيادتان في البلدين بتقدير نادر، الا وهو التفاف الشعب حول القيادة في كل منهما نسبة لما تتسم به نظرة القادة من حكمة واعتدال، فهذا الأردن الذي يكاد ينفرد بموقفٍ رصين ضد ما يسمى صفقة القرن، رغم ما يتعرض له من ضغوط، أو ما قد يواجه من ارتدادات الصفقة، يعلن موقفا يحظى بتأييد شعبي وعربي، مثلما أن قطر تلعب دورا أساسيا في خفض منسوب التوتر في منطقة الخليج، وتسعى للخروج من أزمة يتضرر منها الأمن القومي العربي برمته، لكن بمنطق الحكمة والحكم الرشيد.