فيروس كورونا .. وباء إنطلق من مدينة ووهان الصينية ونشر الذعر في الصين وأكثر من ٢٠ دولة أخرى حول العالم وصلها الفيروس ، والعالم أجمع يشارك الصين الفاجعة ويعيش الذعر من الأخبار حقيقيةً كانت أو ما يخالطها من شائعات ومبالغات في وسائل التواصل الاجتماعي وحتى الفضائيات العالمية.
لا شك أن جميع مناحي الحياة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية في الصين قد تأثرت تأثرا بليغا من هذا الوباء كما قد تأثرت وستتأثر بقية دول العالم بدرجات وصور مختلفة ، فالعالم بالفعل أصبح قرية صغيرة والصين هي المصنع الأكبر في العالم والتي تملك كفاءات مهنية وبنية صناعية وسلاسل إمداد قوية تؤهلها لهذا اللقب.
هنا أود وبعجالة مشاركتكم قراءة بعض التأثيرات المباشرة لهذا الوباء على الاقتصاد بشكل عام والتجارة الخارجية في الصين.
بداية ما يتعلق بالسياسة النقدية فالصين لديها مرونة كبيرة في ذلك خصوصاً أنها تملك أدوات كثيرة للسيطرة والتحكم بالسياسة النقدية بشكل عام وتأثيراتها الخارجية والداخلية ، ظهر ذلك جلياً بالتحرك الحكومي السريع نحو تخفيض الضرائب وتأجيل دفعها خصوصاً للشركات المتوسطة والصغيرة وحتى المتناهية الصغر، والذي سيلعب دورا كبيراً في إنعاش الاقتصاد والتقليل من آثار هذه الأزمة .
تأثير الأزمة على الاقتصاد الصيني في الأمد القريب سيكون أكبر من تأثير أزمة وباء السارس عام 2003 ؛ وذلك لسببين رئيسيين الأول لأن الحكومة إتخذت إجراءات أشد وخصوصاً فيما يتعلق بالتدابير المقيّدة للسفر وكذلك إطالة مدة الإجازة ( إجازة عيد الربيع الصيني ) وذلك للحد من إنتشار الوباء والذي من شأنه التقليل من أنشطة الاستهلاك والإنتاج ، أما السبب الثاني فيرجع الى التغيرات في الهيكل الاقتصادي الصيني حيث زادت نسبة مساهمة قطاع الخدمات في النمو السنوي الى 59٠4٪ عاماً 2019 بالمقارنة الى عام 2003 حيث كانت 39٪ ، ولأن قطاع الخدمات هو الأكثر تأثراً بهذا الوباء ، وهو الأبطأ نمواً لذا سيؤدي ذلك الى إنخفاض معدل النمو الاقتصادي بشكل أكبر.
بعض القطاعات ستتأثر إيجابيًا بهذه الأزمة مثل ، القطاع الطبي بشكل عام وقطاعات الألعاب الالكترونية ، التعليم عن بعد ، التجارة الالكترونية ، الواقع الافتراضي ، بالإضافة لقطاع التوصيل السريع والذي سينمو نمواً كبيراً.
أما ما يتعلق بالتجارة الخارجية فستتأثر من عدة نواحي منها الأثر على كلف الانتاج ، فبالنظر الى الإجراءات الحكومية المختلفة لمحاربة الوباء من تمديد الإجازة وأخذ مختلف الإحتياطات الوقائية لمكافحة الوباء من فرض قوانين بخصوص ارتداء الكمامات في الأماكن العامة والمصانع والمكاتب الإدارية ووجوب متابعة قراءات درجات الحرارة للعمال والموظفين وغيرها الكثير كل ذلك سيكون له الأثر المباشر على كلف الإنتاج والتشغيل مما يزيد من أسعار السلع ويقلل من تنافسية المنتجات الصينية بشكل عام.
كذلك الأثر على التسويق العالمي للمنتجات الصينية ، فبعد تفشي الوباء بشكل أكبر في نهاية شهر يناير أعلنت لحد الآن أكثر من عشرين شركة طيران عالمية توقيف رحلاتها من وإلى الصين ثم عدم السماح للمسافرين الصينيين من دخول عدد من الدول ، كذلك هناك تخوف من البدء بعدم إصدار تأشيرات للصينيين من بعض الدول، كل هذا يؤثر بشكلٍ مباشر على قدرة المصانع الصينية على التسويق الخارجي والالتزام بمتابعة العملاء وخدمات ما بعد البيع
كذلك من ناحية أخرى أعلنت كثير من الدول زيادة الرقابة على دخول المنتجات الصينية ، مما يقلل من سرعة تدفق السلع وربما رفضها في بعض الأحيان خصوصاً في قطاعي المواد الغذائية والأدوية.
كما أن هذا الوضع سيؤثر بطبيعة الحال على سفر رجال أعمال الأجانب الى الصين للخوف من الإصابة بالوباء ، وكذلك ستتأثر المعارض التجارية بمختلف أنواعها وهي كثيرة ، فقد أعلن أكثر من 100 معرض لحد الآن عن تأجيلها الى إشعار آخر.
كل هذا سيكون له تأثير مباشر على الصادرات وبشكل ملحوظ.
ومن الآثار بعيدة الأمد على الصادرات الصينية أن العملاء سيبدأون بالبحث عن بدائل في أسواق أخرى حتى لو رجع الإنتاج كما كان من قبل ، فهذه الأزمة ستدعو جميع المتعاملين مع الصين التفكير في تخفيف الاعتماد على سوق أو مصدر واحد، فإذا نجحت دول أخرى في إيجاد بدائل ذات تنافسية بالطبع سيكون لها أثر على صادرات الصين في المستقبل.
الحكومة ومن خلال مختلف الإدارات من بنك مركزي وجمارك ودوائر الضرائب وغيرها الكثير من الإدارات الحكومية سارعت بوضع الخطط والإجراءات العديدة للتخفيف من آثار إنتشار هذا الوباء على الإقتصاد بشكل عام ، وبإستشراف بسيط أستطيع القول أن عجلة الإنتاج ستبدأ في الدوران خلال نهاية هذا الشهر ثم تبدأ بالتسارع للوصول إلى حوالي 60% من طاقتها الإنتاجية في غضون الشهرين القادمين إلا أن تتعافى بشكل شبه كامل خلال الربع الثالث من هذا العام.
الصين دائماً تثبت لنا مقدرتها على تجاوز الأزمات بل والإستفادة القصوى منها بإدارة فائقة الكفاءة تتسم بالمرونة والسرعة في إتخاذ القرارات الحازمة والتزام لا مثيل له من شعب منتج مكافح يستحق منا كل الإحترام والتقدير ، جدير أن نتعلم منه الكثير.
* رئيس منتدى رجال الأعمال العرب في الصين