تنفجر ثورة المعرفة العلمية في عصرنا الحالي بشكل متصاعد، ويعتبر البحث العلمي ينبوع المعرفة الأصيلة ومعيار التقدم والتطور وبناء المستقبل المشرق، وتكمن أهمية البحث العلمي في أنه يتيح دراسة المشكلات بمختلف أشكالها، الاجتماعية، والاقتصادية، والتربوية والسياسية وغيرها، ويسهم في التخطيط للتنمية المستدامة في شتى مجالاتها وعبر طرقاته ومسالكها الفرعية، ومن مظاهر هذا الاهتمام الزيادة المطردة فيما يخصص للبحث العلمي من أموال في الميزانيات العامة والخاصة.
إن من أهم ما يتم ملاحظته في الفترة الأخيرة في مجالات البحث العلمي لاسيما على مستوى المؤسسات التعليمية العربية هو تدريس مناهج البحث العلمي للطلبة كل في مجال اختصاصه، إذ تهدف دراسة مناهج البحث العلمي في مساعدة الدارسين للتعرف على تلك المناهج، وأنواع البحوث العلمية، والإلمام بالمفاهيم المتعلقة بها، وبالطرق التي تحققها، والأساليب التي يرتكز عليها البحث العلمي، كما يمكن من خلال دراسة مناهج البحث العلمي أن ينمي الباحثين معارفهم، ومهاراتهم، وقدراتهم في البحث العلمي فهي تساعد في تحديد المشكلات، وكيفية تصميم الخطط البحثية، وحسن تنفيذها، كما تمكنهم من القراءة التحليلية الناقدة للبحوث وملخصاتها، وتحديد الأساليب الاحصائية لتحليل بيانات البحوث، وتقييمهم لنتائجها والحكم عليها.
إن دراسة مناهج البحث العلمي في وطننا العربي لا غنى عنها للباحثين، لكي تساعدهم في تحقيق فهم أفضل للظواهر والأحداث والمتغيرات، والتوصل لحل المشكلات المختلفة، واتخاذ القرارات الحكيمة تجاه المشكلات والصعوبات التي تواجههم في مجالات عملهم.
تُصنف البحوث العلمية بحسب أهدافها وطبيعة المشكلات المراد دراستها، كذلك هنالك خطوات يتبعها الباحثين في البحوث العلمية، وقد تتباين هذه الخطوات في عددها، وطريقة تحقيقها، ويكون ذلك تبعاً لنوع البحث وأهدافه، وكذلك يتبع إمكانيات الباحثين فيما يمتلكونه من اتجاهات عقلية علمية، وإمكانات معينة، وخبرات تتيح لهم التصرف بطريقة ما بهذه الخطوات في تقديم، وتأخير بعضها، أو غير ذلك، ومنها التفتح العقلي، وحب الاستطلاع، والرغبة المستمرة في التعلم، والدقة، والأمانة العلمية.
وفي ظل بيئة مليئة بالأحداث، والمتغيرات يقف الباحث في كثير من الاحيان متأملا، وحائراً في أسبابها، لذلك يقصد بمشكلة البحث التساؤلات حول وجود ظاهرة، أو حالة معينة، أو موقف غامض لا نجد له تفسيراً محدداً، وبحاجة إلى إجابة علمية دقيقة ومقنعة بالاستناد إلى الأدلة العلمية الواقعية، وبالتوصل للإجابة، نكون قد توصلنا لحل للمشكلة.
إن الدارس المتخصص مطلوب منه أن يحدد مشكلة بحثه بالاستناد إلى معطيات واقعية من مصادر معينة وتعتبر مرحلة الوصول إلى مشكلة البحث وتحديدها من أهم المراحل، فبدون وجود مشكلة، فلا حاجة للبحث عن إجابة للتساؤلات.
يتطلب البحث العلمي من جانب الباحث جمع معلومات شاملة وكافية ودقيقة، وإلى استخدام أدوات ووسائل للقياس للحصول على بيانات وإحصائيات، ليس هذا فحسب، ولكن البحث العلمي أشمل من ذلك وأعمق. إنه فكر وتخطيط، وعمل ذكي بقصد الوصول إلى نتائج وتعميمات يوثق في صحتها بالنسبة لمشكلة معينة، وما لم يتوافر للبحث مشكلة واضحة معينة، فإن كل عمل يقوم به الباحث سوف يكون مشكوكاً في قيمته.
إن المشكلة التي يختارها الباحث بنفسه في ضوء خبرته العملية الميدانية كثيرا ما تكون لها أهمية عند الباحث، والخبرة العملية كغيرها من المصادر، هي ليست المصدر الوحيد للوصول إلى مشكلات للبحث، وخبرات الباحث المرتبطة بجميع المصادر الأخرى متكاملة، ويعزز بعضها بعضا. وفضلاً عن ذلك، فإن الحساسية للمشكلات، والقدرة على إدراكها، والتمييز بين الهام منها والأقل أهمية تحتاج من جانب الباحث إلى عقلية يقظة ناقدة، وبصيرة نافدة.
ينبغي أن يدرك الباحث منذ بداية التحاقه بالدراسة أهمية القراءة الناقدة في تكوينه كباحث، وتشمل هذه القراءة إلى جانب قراءته للرسائل والأطاريح وملخصاتها كتب المراجع العلمية، وكتب الثقافة العامة التي توفر له خصوبة في الخبرة عريضة وعميقة في نفس الوقت، ولا شك أن كفاية الخلفية العملية ضرورية للباحث وبالأخص في مرحلة البحث عن مشكلة معينة للبحث والمشاركة في المناقشات الناقدة المثمرة التي تدور عادة في حلقات السمنار.
إن اتباع الاسلوب الناقد في التفكير والقراءة والمناقشة أمر ينبغي لكل باحث أن يحرص عليه، ففي قراءة الدراسات والمقالات والموضوعات في المراجع العلمية المختلفة، وفي الاستماع إلى آراء وملاحظات الأساتذة، وفي عرض الأفكار ومناقشة مقترحات البحوث في حلقات السمنار ينبغي أن يدقق فيها الباحث، ويتفحصها، وفي نفس الوقت ينبغي ألا يضجر من وجهات النظر الأخرى المخالفة لوجهة نظره حين يناقش خطة بحثه مع الأساتذة وزملائه، تلك المناقشات تفيده في التوصل لتحدي أفضل لمشكلة بحثه.
وينصح الباحث بأن يحتفظ بمذكرات منظمة يسجل فيها الملاحظات والأفكار المتصلة بالموضوع الذي يريد البحث فيه سواء كانت منبثقة من تفكيره الذاتي، أو مستقاة أو من محاضرات الأساتذة أو الاستشارات العلمية بخصوص موضوع بحثه. إن تلك الملاحظات المسجلة من قبل الباحث تفيده تكون تحت يده باستمرار لكي يفحصها ويتمعن فيها، وهي كثيرا ما تستثير لديه التفكير الناقد والتقصي العقلي وتوحي إليه بأفكار واتجاهات جديدة تفيده في بحثه.