المساءلة والشفافية وحوكمة الإجراءات والسياسات والقرارات هي من معايير دولة القانون والمؤسسات ومن ركائز الحكم الرشيد وقد يكون طبيعياً أن تحرص الحكومة وأجهزتها التنفيذية على ممارسة أعمالها بحرفيّة ومرونة ودقة وثقة؛ وفقاً لمتطلبات سيادة القانون، ولا ننكر على الأشخاص والمؤسسات مساءلة ومحاسبة من يعمد على مخالفة القانون، أو يتطاول على سيادته، سواءً أكان من الموظفين العاميّن، أو من الأشخاص العاديين.
ولكن، لم يعد مقبولاً سلوك التنمر، والتصيّد لرجال الأمن العام واستخدام أساليب الاستقواء، أو نشر صور المداهمات وممارسات الأنشطة اليومية تحت مسمّيات واهية ليس أقلها مفاهيم الشفافية، والتي هي في الواقع لا تجسد حكمة مراقبة الأداء العام وتؤدي إلى نكوص أجهزة إنفاذ القانون عن القيام بواجباتها القانونية والوطنية، وتُضيف حلقة من حلقات إضعاف الدولة وشوكتها في ردع الخارجين على القانون والقبض على مرتكبي الجرائم.
دعونا نعترف أنَّ ثمّة محاولات لإضعاف الدولة لا تليق، والمحاولات المكشوفة التي يقودها ثوار "الفيس بوك" ومناضلو الإنترنت؛ ستؤدي إلى عرقلة العدالة وتراجع المنظومة الأمنية لمستويات تُربك الأمن الوطني والسلم الأهلي، وتعيد إلى الأذهان حالات الانفلات التي تسببت في اختراقات لمفاهيم الحرفية والمباغتة والحزم التي اتسمت بها أجهزة الأمن المحترفة، سيَّما وأن أي تراجع في شوكة الدولة، وثقة رجل الأمن بنفسه سيؤدي بالقطع إلى اهتراء مفاهيم الردع وإنفاذ القانون.
أخطر ما يمكن أن تصل إليه الدولة أن يصبح فيها رجل الأمن ومن في حكمه عاجزاً عن أداء دوره الأمني في الطرق والأسواق، وتلقي الشكاوى وجمع الأدلة والقيام بواجبات الضابطة العدليّة وإنفاذ القانون بكل حرية ويسر، والأخطر من ذلك أن يتكتل المواطنون ضد رجال إنفاذ القانون دون أن نصادر حق المحاسبة والمساءلة لكل من يرتكب خطأً مقصوداً أثناء أداء واجبه، ذلك أن هناك ثقافة ممنهجة تقودها قوى ما زالت خفيّة تهدف إلى إضعاف الدولة ونزع شوكتها.
ويسير في فلك هذه القوى -للأسف- اعداد كبيرة من الجمهور.
منذ أزمة المعلمين وانكشاف ظهر الدولة ومؤسساتها للتنمر المقيت، والتجاهل المقلق؛ حذرنا من خطورة هذا الانكفاء المرعب. وقلنا: أنه آن الأوان لمراجعة شاملة لإدارة منظومة الأمن الوطني، ومقتضيات السلم الأهلي، ويبدو أن اصواتنا بُحَّت وأقلامنا اهترأت في تحذيرنا من مغبة ما يجري على منظومة الأداء العام، وحفظ الأمن، وحقوق وحريات المواطنين وانفاذ القانون بعيداً عن أساليب تسيير الأعمال دون منهج أو رؤية أو حزم، ومنهجيّة الترحيل ودفع الأثمان المؤقتة والمؤجلة دون استراتيجية تحفظ للدولة هيبتها وللمواطن حقه.
ولأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع، ومع الأخذ بعين الاعتبار عدم التجاوز العمدي الممنهج وخضوع تلك الممارسات للتقييم والمساءلة والمحاسبة عند تجاوزها فقد آن الأوان؛ لإطلاق يد الدولة في ضبط الأمن بشجاعة وحرفية وعدالة وفرض هيبة الدولة على الأشخاص والمؤسسات دون مواربة وانفاذ القانون على الجميع دون هوادة.
وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء..!!