حسين الرواشدة
هل سيكون العالم أكثر “ تطرفا “ بعد أن أصبح ترامب رئيسا لأمريكا ؟
هذا السؤال استدعته مسألتان : الاولى، الخطاب العنصري الذي تبناه الرجل خلال حملة ترشحه للرئاسة، وفيه هدد بطرد “ 11 “ مليون مهاجر بعد ان وصفهم “ بالحيوانات “، اما المسألة الثانية فتتعلق بمواقفة من العالم الاسلامي بشكل عام ( ايران والسعودية تحديدا) ومن التطرف الاسلامي الذي وعد انه “سيدكه دكا “، مما سيغذي نزعة التطرف في المنطقة والعالم ايضا، ليس فقط على صعيد منح “ التنظيمات المتطرفة “ ما يلزمها من شرعية وجاذبية للمواجهة والتمدد، وانما ايضا على صعيد إلهام اليمين المتطرف في اوروبا ، وبالتالي في العالم ، للوصول الى السلطة.
بغض النظر عن وجاهة المسألتين ومدى دقتهما ، فان فوز ترامب سيهز اسواق السياسة العالمية، مثلما هز اسواق البورصة المالية ايضا، كما انه سيشكل تحولا غير مسبوق في دور وفاعلية القوة الاكبر في العالم ، وفي علاقاتها مع قضاياها ومكوناتها الداخلية ومع محيطها الدولي، اما نصيب عالمنا العربي من هذه التحولات فسيكون هو الاسوأ,ليس لان من سبقه من الرؤساء كان افضل ، وانما لان حالة عالمنا العربي البائسة ناهيك عن مصالح اميركا في منطقتنا وصورتها المجروحة بعد سياسة اوباما المترددة، ستغري الرئيس الجديد على فعل كل ما يلزم للاجهاز على ما تبقى لدينا امن واستقرار، من خلال اعادة ترتيب الفوضى الخلاقة التي صممها الجمهوريون انفسهم قبل عشرات السنوات.
امريكا مع ترامب لن تكون بالنسبة لنا افضل من امريكا في عهد الجمهوريين المحافظين، ولا افضل في عهد اوباما، فلكل حزب وصل الى البيت الابيض نصيب من دمائنا وثرواتنا، وكرامتنا ايضا، لكننا في عهد ترامب سنكو على المنصة ن امام مرحلة “ التصفيات “ النهائية لتنصيب “ مارد “ التطرف، بتوافق امريكي روسي، وتمدد ايراني, وهذه اثمن هدية يمكن ان يستلمها البغدادي وذئابه النائمة والمنفردة في المنطقة والعالم.
ليس من المهم فقط ان نسأل : ماذا سيفعل ترامب بعد ان يتم تتويجه في البيت الابيض، لكن ان نسأل ايضا عما سنفعله نحن في هذا العالم العربي المنكوب لدفع امريكا الى التعامل معنا باحترام.
الاجابة، بالطبع، معروفة سلفا، فنحن ما نزال نراهن على واشنطن رغم انها خذلتنا في كل مرة، ونحن ما نزال نعلق فشلنا وخيباتنا على الاخر الذي لا يفكر الا في مصالحه، ونحن ما نزال نسال عمن هو الافضل بالنسبة لنا : الامريكي الديموقراطي ام الجمهوري، الايراني الاصلاحي ام المحافظ، الغربي اليساري ام اليميني، فيما لا احد يفكر لحظة فيما فعلناه بانفسنا، وفي خياراتنا وثرواتنا وحاضرنا ومستقبلنا، وهذا هو الزلزال الحقيقي الذي يفوق مئات المرات قوة الزلزال وصول ترامب الى الرئاسة الامريكية.
البعض سيقول – محقا – ان السياسة الامريكية لا يقررها الرئيس الامريكي فقط، رغم ما يمتلكه من صلاحيات، وان ترامب المرشح الذي سمعنا تهديداته، لن يكون “ترامب” الرئيس حين يدخل للبيت الابيض ، وان امريكا التي بدات بالانسحاب من منطقتنا في عهد اوباما ربما ستنكفئ على نفسها اكثر في العهد الجديد، ربما سيقال ايضا ان العلاقة الدافئة بين ترامب وبوتين ستزيد من فرص التوافق بين الدولتين مما سينعكس ايجابيا على السلم العالمي، كل هذا وارد لكن لا يجوز ان تغيب عنا حقيقة واحدة وهي ان العالم يتغير، وان امريكا تحديدا لم تعد القوة المهيمنة الوحيدة على هذا العالم، فيما نحن العرب والمسلمين نعيش اسوأ مراحلنا التاريخية، لم ننجز التغيير الذي خرجت الشعوب للمطالبة به قبل خمس سنوات ، ولم نفلح في معرفة ما نريده، لا من انفسنا ولا من الاخرين.
يبقى اننا امام صدمة فوز ترامب، لم يخطر في بالنا ان نسال عن الانتخابات الديموقراطية التي مكنت الامريكيين من اختيار رئيسهم رغم محاولات مراكز الاعلام والاستطلاع التاثير عليهم، ولا عن التحولات التي طرأت على المجتمع الامريكي وأفضت الى تصويته لمرشح غير سياسي من طراز ترامب، ولا عن اللعبة التي تديرها الشركات والمؤسسات التي لها مصالح في اختيار الرئيس الجديد، لم نسأل انفسنا ايضا فيما اذا كان او سيكون لنا دور في التعامل مع امريكا في عهدها الجديد، ام اننا سنكتفي باختزال الارباح والخسائر في حجم العوائد التي ستعود على بعض الذين يرون في ترامب نموذجهم المفضل.. عجبي !
عن الدستور