الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) "كريم" بالهدايا التي يقدمها للدولة الصهيونية. بل هو نفسه "بابا نويل" (لكن شيطاني) لا يتوقف عن العطاء: بدءا من نقل السفارة الأمريكية رسميا إلى القدس الموحدة، مرورا بالاعتراف بالسيادة في هضبة الجولان المحتل، واعتبار المستعمرات/ "المستوطنات" في الضفة الغربية المحتلة لا تخرق القانون الدولي، ورفض قرار "المحكمة الجنائية الدولية" عزمها التحقيق في "جرائم حرب" إسرائيلية بالأراضي الفلسطينية وغيرها الكثير الكثير. وربما لن تنتهي العطايا بالاعتراف بسيادة "إسرائيل" على غور الأردن، وهو ما يطالب به رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) كطوق نجاة له في الضائقة السياسية التي يعيشها اليوم. كذلك، (فترامب) يرى الفلسطينيين "أمة لا تستحق دولة مستقلة. بل هي مجموعة إثنية عربية ربما تستحق حكماً ذاتياً مطوراً". فهل، حقا، يتقصد (ترامب) إثارة الجدل عبر تصريحاته الغريبة و"الجريئة"؟!! أم أنه لا يملك حنكة سياسية كما يرى خبراء ومحللون؟!! فلطالما رفضت إدارات الولايات المتحدة "الديمقراطية والجمهورية"، رغم دعمها المطلق "لإسرائيل"، الاعتراف بالأعمال الإسرائيلية الأحادية الجانب في القدس الشرقية ومرتفعات الجولان وبشرعية المستعمرات/ "المستوطنات". وهنا تتنوع الآراء: فمن قائل أن (ترامب) يفعل ما يفعله من أجل أمريكا، وبين من يقول أنه من أجل "إسرائيل"، وبين من يرى أنه من أجل نفسه تقوده نرجسيته وطموحاته غير المشروعة بجانب أساسي منها.
على أي حال، لا يهتم (ترامب) بما يجري في الشرق الأوسط، ولا "يتعمق" في السياسة الخارجية إلا بما هو تنفيذ للسياسة الإسرائيلية سواء تجاه فلسطين أو الدول العربية أو غيرها في الإقليم. وعليه، لا يمكن أن تكون إدارته "وسيطا نزيها". فالجميع يعلم أن مساعيه لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يبلورها صهره ومستشاره الخاص (جاريد كوشنير) ومبعوثه الخاص السابق (جيسون غرينبلات) والسفير في "إسرائيل" (ديفيد فريدمان) وجميعهم أمريكيون من أصول يهودية، مؤيدون لليمين الإسرائيلي وأطروحاته، بل هم جزء من ذلك اليمين والتصاقهم إما عضوي بالمستعمرين/ "بالمستوطنين" أو "مؤيد أعمى" لبرامجهم بخاصة وبرامج اليمين بعامة. كذلك، يتفق الخبراء والمحللون الأمريكيون على أن ثلاثتهم، بالإضافة إلى المبعوث الأمريكي الجديد للشرق الأوسط آفي بيركوفيتش (من أصول يهودية أيضا)، يفتقرون للخبرة وغير ملائمين لحل صراع معقد مثل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
كل "هدايا" (ترامب) "لإسرائيل" – في أعين خبراء ومن ضمنهم إسرائيليون - هي "هدايا" برسم التحصيل. وكان واضحا أنها كلها من أجل قواعده الانتخابية على تنوعهم. فما يشغل (ترامب) مؤخرا هو الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، حيث سيكون بحاجة إلى دعم قوى بعينها على رأسها الأنجليكانيين المحافظين المنحازين مطلقا "لإسرائيل". أي أن تصريحاته ومواقفه الغريبة و"الجريئة" هي محاولة توظيف اليمين في "إسرائيل" لخدمة مصالحه الانتخابية مقابل "هداياه" الفلسطينية والعربية لهذا اليمين. وأيضا، نرى كيف يسعى (ترامب) لإرضاء (شيلدون أديلسون) أحد أكبر المتبرعين الجمهوريين، وصاحب أكبر مؤسسة خيرية داعمة "لإسرائيل". كما نراه يتذبذب ليهود الولايات المتحدة عبر تصريحاته التي تقرأ ضمن سباق الترشح مجددا لرئاسة البيت الأبيض للفوز بالمال والصوت اليهوديين، فهو القائل "أنا ملك إسرائيل"، و"أنا أحب إسرائيل"، و"يجب أن نعمل على جعل الشعب الأمريكي يحب إسرائيل أكثر"، و"العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة اليوم أقوى من أي وقت مضى"، و"لم يكن لإسرائيل صديق أفضل في البيت الأبيض من دونالد ترامب"، و"الولايات المتحدة تؤيد حق إسرائيل المطلق في الدفاع عن النفس". كما أنه يزايد فيقول: "اليهود الأمريكيون الذين يصوتون للحزب الديمقراطي يظهرون إما افتقادهم التام للمعرفة، وإما انعداما شديدا للولاء"، وهو ما أثار انتقادا حادا في أوساط يهودية بأن (ترامب) يستخدم عبارة مناهضة للسامية تتهم اليهود بـ"ازدواج الولاء". وفي هذا السياق، قال المجلس الأمريكي لليهود الديمقراطيين إن الرئيس كان يحاول "تسييس مناهضة السامية واستخدامها سلاحا من أجل مكاسب سياسية".
مؤخرا، كشف (ترامب) حقيقة الأمر حين أوضح أن دعمه لإسرائيل واليهود إنما هو لاستثمار تصويتهم في الجولة الانتخابية القادمة 2020، معلنا "على اليهود انتخابي لحماية ثرواتهم"، وهو أيضا ما أثار تموجات معاكسة. فبحسب المدير التنفيذي "للمجلس الديمقراطي اليهودي" (هالي سويفر): "المجلس يدين بشدة تصريحات استخدمها الرئيس – مرة أخرى- تمثل الصور النمطية لتوصيف اليهود، على أن دافعهم المال مع تلميحات حول الولاء". وبالمقابل، يؤكد أكثر من مصدر إسرائيلي بأن "هدايا" (ترامب) مسمومة، صحيح ليس بقصد الإضرار "بإسرائيل" وإنما بالنهاية فيها "تدفيع ثمن". فمثلا، يقول الكاتب الإسرائيلي (أوريت لفي نسيئيل): "ظاهراً، ترامب هو صديق حقيقي لإسرائيل، مؤيد متحمس وصهيوني محب. ولكن هذه صورة كاذبة (غير كاملة). ترامب رجل أعمال منفعي. فالتوقيت السياسي الذي يطلق فيه تصريحاته ليس عفوياً، والهدايا التي يغدقها على إسرائيل كي يساعد نتنياهو ليست هدايا مجانية، سيضطر إلى دفع هذا الحساب المجتمع الإسرائيلي آجلاً أم عاجلاً". فهل مثل هذا الاستخلاص يصب في أن جوهر مخططه يوقل فعلا: "ترامب أولا"؟!