يعكس مشروع قانون الموازنة لعام 2020 عمق الازمة المالية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، وعلى الرغم من ان الموازنة تقليدية لا تختلف عن موازنات الاعوام السابقة، الا ان تراكم الاختلالات يفاقم الازمة التي باتت تشكل خطرا حقيقيا على الاستقرار الاجتماعي، وهي لا تتضمن اي رؤية لوقف حالة التدهور، وتواصل الحكومة حالة الانكار من خلال استهدافها لزيادة الايرادات المحلية 733 مليون دينار، في حين لم تحقق موازنة عام 2019 اكثر من 76 مليون دينار، نحو 7% فقط من الذي كان مستهدف، فهي تكرار للسياسات الكارثية، وتضليل للرأي العام، فالاقتصاد الاردني لم يعد قادرعلى زيادة الايرادات في ظل تراجع النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وقد جاءت الموازنة بعد نحو ثلاثة اشهر عن اعلان الحكومة؛ فشل سياساتها في تحقيق زيادة في الايرادات الضريبية، ومع ذلك يخرج علينا رئيس الوزراء بالاعلان عن انجاز ما نسبته 70% من الوعود التي قطعتها حكومته.. ! لن نكتفِ بالقول؛ ان المواطن لم يلمس اي نجاحات، بل نعزز هذا القول بالارقام الرسمية؛ فقد كشفت دائرة الموازنة العامة عن حصيلة السياسة المالية والاقتصادية المخيبة للامال، والتي تحاول اغفالها الحكومة، فهي تترجم النتائج الحقيقية لعمل الحكومة.
فقد ارتفع عجز الموازنة لعام 2019 من 645 مليون دينار بعد المنح الى 1214 مليون دينار اعادة تقدير، بزيادة قدرها 569 مليون دينار، رغم تخفيض النفقات الرأسمالية 172 مليون دينار، وزيادة المنح الخارجية 294 مليون دينار، بمعنى ان العجز الحقيقي ارتفع اكثر من مليار دينار عما ورد في الموازنة..! وقد بلغت قيمة فائدة الدين العام حكومة وهيئات 1421 مليون دينار. اما المديونية فقد ارتفعت 1.742 مليار دينار خلال الشهور التسعة الاولى من العام الحالي حيث بلغ اجمالي الدين العام 30.050مليار دينار في نهاية ايلول 2019 وبنسبة 96.7% من الناتج المحلي الاجمالي وفق ما ورد في نشرة وزارة المالية لشهر تشرين اول عام 2019 ، دون الاخذ بعين الاعتبار ما يسمى بالالتزامات السابقة الواردة في الموازنة التي ترفع نسبة الدين العام الى نحو 100% من الناتج المحلي.
وفي الجانب الاقتصادي فقد تراجع النمو الاقتصادي الى 1.9% خلال النصف الاول من العام الحالي مقارنة مع 2% في نفس الفترة من العام 2018، كما ارتفعت معدلات البطالة من 19.2% خلال الربع الثاني من العام الحالي مقارنة مع 18.7% في نفس الفترة من العام 2018 ، واضح ان الارقام وحدها كفيلة بالكشف عن استمرار حالة التدهور الاقتصادي رغم الصورة الوردية في الخطاب الحكومي، والحديث عن نجاحات وهمية.
اما ما يسمى بالتحفيز الاقتصادي اذا ما استثنينا زيادة الرواتب والتي من المبكر التعليق عليها، ومع ذلك لا يمكن عزلها عن حصيلة نضال المعلمين الذين تمكنوا من انتزاع مطالبهم عبر اضرابهم العام، فان باقي الاجراءات "التحفيزية" لا تسهم بدفع عجلة الانتاج في القطاعات الرئيسية الصناعة والزراعة، المهددة بالانهيار بسبب ارتفاع تكلفة الطاقة والمحروقات والضرائب التي تفرض على مدخلات الانتاج، فالاقتصاد الاردني لم يعد منافسا محليا وخارجيا امام الاسواق المفتوحة، وقد سددت الحزم الضريبية ضربة قاصمة للصناعة والزراعة.
وحاولت الحكومة اللعب على وتر شعبوي بقصة دمج الهيئات المستقلة، الا ان الموازنة التقديرية المقدمة من الحكومة لم تظهر اي تخفيض في النفقات العامة نتيجة سياسات الدمج، فقد اعلنت الحكومة عن دمج مؤسسات في العام 2018 وانخفض عدد المؤسسات الواردة في الموازنة المستقلة من 57 مؤسسة الى 25 مؤسسة في موازنة 2020 كما اعلنت الحكومة عن نيتها بدمج ثمان مؤسسات جديدة الا ان النفقات العامة لم يطرأ عليها اي تغيير حيث بلغت نفقات الهيئات المستقلة لعام 2020 (1563) مليون دينار في الوقت الذي بلغت موازنة عام 2017 ( 1578 ) مليون دينار، مما يتضح ان الاجراءات الحكومية شكلية ولم تمس النفقات العامة للهيئات المستقلة. في حين ان الهدف الرئيس من الدمج والالغاء هو خفض الرواتب الخيالية واخضاع جميع موظفي الدولة لنظام الخدمة المدنية وتحقيق المساواة والعدالة بين موظفي الدولة، اضافة الى توفير النفقات الادارية عند عملية الدمج.
يتضح مما تقدم؛ لا خروج من الازمة الا بنهج جديد ينطلق اساسا من فك التبعية السياسية والاقتصادية ، والاستفادة من دور ومكانة الدول الناشئة في استثمار موارد البلاد وبناء قاعدة اقتصادية للاعتماد على الذات، واعادة هيكلة موازنة الدولة، وتوجيه الانفاق العام نحو المشاريع الانمائية وتقديم الخدمات الاساسية للمواطنين، وخاصة في مجالات الصحة والتعليم، والبنية التحتية، ومكافحة الفساد ومعاقبة الفاسدين واعادة الاموال المنهوبة.