احمد حسن الزعبي
نقرأ ، نُصدم،نحزن ، نتعاطف، نكتب،نشجب، ثم ننسى .. ونترك الحال على ما هو عليه، إلى أن تحدث جريمة أقسى..فنصدم،نحزن، نتعاطف،نكتب،نشجب،ثم ننسى من جديد ... بينما سيل الانحراف والإجرام يمشي بكل سلاسة من منبعه النفسي إلى مصبه في مراكز التأهيل والإصلاح دون أن نساهم في تجفيفه أو بناء سد من القيم والحلول في وجهه..
أحزن على السجون لأنها باتت تعاني من «تلبّك معوي» لكثرة ما نحشو فيها : قتل ، على اغتصاب،على سرقة،على تعاطي،على دعارة، على احتيال ..هذا نتاجنا نحن،هذه صناعتنا نحن، هذه خطايانا نحن ، هذه ضريبتنا نحن..ماذا بعد انقضاء مدة السجن؟ انحراف جديد وجريمة جديدة ودخول جديد..
لا يمكن لأي جهاز امني أو رقابي مهما بلغت قوته أن يعرف ماذا في جيب الشاب ، او ماذا يخبىء تحت وسادته أوفي ثنايا أفكاره ، ولا يمكن للدولة أن تقوم بفحص مخبري لكل مواطنيها أثناء توجههم إلى أماكن عملهم لتعرف من فيهم يتعاطى ومن فيهم «محبحب»..لكنها تستطيع ان تغلّظ العقوبة في حالة الضبط ، وتسرّع اجراءت المحاكمة ونشرها لتردع المبتدئين والمختبئين والمترددين في التجرية...التساهل يعيد إنتاج الجريمة بصورة أعنف وأبشع دون أن ندري.. وقد حصل أن قامت قوى أمنية بضبط مجموعة من المتعاطين متلبسين في مكان مغلق، وتم إيقافهم مدة قصيرة لا تزيد عن ثلاثة أسابيع ومن ثم تم الإفراج عنهم دون ان نعرف ما مغزى الإفراج وما هي خطة المتابعة..المتعاطي يقضي أسبوعين أو ثلاثة ثم يخرج وكان شيئاً لم يكن ، بينما قد يوقف تربوي محترم على تقصير إداري ضعف هذه المدة في السجون ويتبعها جلسات لعدة سنوات..بهذه القوانين الرخوة نعيد إنتاج الجريمة بشكل مضاعف..
الأهل الذين يعرفون تماماً أن ابنهم يتاجر ويتعاطى ويتغاضون عنه ويتسترون عليه ويهيئون له المال والغطاء الأمني خشية الفضيحة او العقوبة - لا فرق- هم أيضاَ يساعدون في إعادة تدوير الجريمة دون أن يدركوا أنهم قد يكونون مسرحها في مرة قادمة تحت تأثير الجرعة الزائدة..
أعيان ووجهاء المجتمع...هم أيضاَ يعيدون تدوير الجريمة...اسألوا القضاة والمدعين العامين وضباط وقضاة محاكم الجمارك ، من الذي يحضر ليتوسط في قضايا المخدرات والتهريب والتعاطي ،إنهم الذين يدينون الجريمة ويحاضرون في القاعات العامة عن خطر المخدرات، اسألوا من يعملون في السلك القضائي من روّادكم في الواسطة..وهم سيجيبونكم!!!..وستعرفون أننا ندور في دائرة مغلقة...بدءاً من التهاون في تطبيق القانون وقصور العقوبات مروراً بالأهل ووصمة العار، متبوعةً بضعف القيم والوازع الديني لدى مجتمع باتت المادة عنوانه الأبرز.. وانتهاء بصور جريمة بشعة نتداولها على الواتساب..