شهدت العلاقات التركية-الأردنية منذ العام 2017 تطورات متسارعة نسبيا في العمل على استعادة حيوية العلاقة وتمتينها، وفي تأسيسها على قواسم مشتركة متعددة ورؤى متطابقة لمسائل الإقليم، وللتعاون والتبادل التجاري والاقتصادي.
وقد شهدت زيارات ولقاءات وفود مشتركة ورجال أعمال وبعض الزيارات الوزارية منذ عام 2017 لتحقيق الأهداف التي رسمها اللقاء الأول بين الزعيمين في أغسطس/آب 2017 في عمّان.
وحملت دعوة وزير الخارجية الأردني لحضور اللقاء السنوي الدوري للسفراء الأتراك في العالم في 4 أغسطس/آب 2019 في أنقرة وإلقاء محاضرة فيهم، حول العلاقات الأردنية-التركية والتطورات الإقليمية، دلالات كبيرة في توجهات الجانبين للوصول إلى علاقات قوية ومتكاملة وبناء شراكة.
ويعتقد الجانبان التركي والأردني بأن تطوير هذه العلاقات وتنميتها إنما يصب في مصلحتهما المشتركة على الصعيد الاقتصادي والأمني والسياسي كما صرحت القيادات في البلدين مرارا.
المنطلق الاستراتيجي المشترك: المكانة والتحديات والاهتمامات المشتركة
من الناحية الموضوعية فإن كلا من تركيا والأردن يحتل مكانة وموقعا استراتيجيا، ويلعب دورا مهما في الأبعاد الجيوسياسية والجيوستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يوفر لهما مكانة مهمة وأدوارا فاعلة في العلاقات الخارجية مع النظام الدولي على وجه العموم ومع كل من الولايات المتحدة وأوروبا على وجه الخصوص، ويجعل لمواقف البلدين وأدوارهما أهمية خاصة وحيوية وفاعلية في المنطقة.
وعلى نفس الصعيد فإن البلدين يواجهان عددا من التحديات المشتركة، من أهمها جهود الأطراف الخارجية وبعض المنظمات الإرهابية لزعزعة أمنهما واستقرارهما الذي يتمتعان به بشكل مميز في الإقليم المضطرب.
كما يواجهان تداعيات الأزمة السورية على الصعيد الإنساني بتدفقات اللاجئين، وتداعيات الأزمتين السورية والعراقية على الصعيد الأمني والسياسي وحتى الاقتصادي، نتيجة توقف حركة التصدير والاتفاقات الاقتصادية السابقة مع سوريا، وبحرمانهما من نقطة الترانزيت التي تمثلها الجغرافيا السورية لحركة التبادل التجاري بينهما وبين كل منهما والدول الأخرى، وحرمانهما من المشاركة في عمليات الإعمار والتصدير للعراق ما بعد حرب عام 2003.
كما يواجهان تحديات ساخنة بسبب المواقف والسياسات الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه، واستمرار الاعتداءات على المقدسات الإسلامية في القدس المحتلة.
ولذلك فإن كلا من تركيا والأردن تتشاركان في الاهتمامات السياسية والأمنية والاقتصادية في المنطقة، ولهما تأثير مهم وفعال في كل من العراق وسوريا، فضلا عن دور كل منهما في القضية الفلسطينية وقضية القدس والمقدسات.
ولذلك فإن السياسة العامة للبلدين تقوم على قاعدة استعادة الاستقرار والأمن وحل الأزمات بالطرق السياسية السلمية ومواجهة المنظمات المتطرفة الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار، ودعم التنمية الاقتصادية وتطوير التعاون العربي والإسلامي فيها على مختلف الصعد.
ومن جهة أخرى تسعيان لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة، والعمل على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس مع احترام الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية فيها، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم.
ويحظى كل من البلدين بعلاقات عربية وإسلامية وإقليمية ودولية واسعة، إذ يشكل الأردن حليفا تقليديا للولايات المتحدة وأوروبا ، فيما تحظى تركيا بمكانة استراتيجية مهمة بالنسبة لهما، وهي عضو أساسي في حلف النيتو، وتعد حليفا مهما للولايات المتحدة، ما يجعل لكل منهما وزنه واعتباره في سياسات هذ الدول.
وفيما يشكل الأردن حليفا تقليديا وتاريخيا مهما لدول مجلس التعاون الخليجي، فإن تركيا تسعى لتحقيق أوسع علاقات معها، ولولا الأزمة الخليجية الأخيرة بين قطر ودول أخرى في مجلس التعاون لكانت العلاقات التركية تحظى بالأهمية والأولية لدى هذه الدول أيضا، ومع ذلك فإن كلا من الأردن وتركيا يسعى لحل الخلاف الخليجي بالطرق السلمية والحوار، لأهمية إزاحة الأزمة من طريق العمل العربي والإسلامي المشترك.
أهمية العلاقة للطرفين ومستوياتها الإقليمية ومستقبلها
ينظر الأردن بأهمية بالغة إلى القدرات الاقتصادية والتنمية الاقتصادية المستمرة والناجحة في تركيا، ويعتقد الأردن بأن تركيا يمكن أن تساعده في تجاوزه أزمته الاقتصادية الحالية عبر المشاريع الاستثمارية والتطور التكنولوجي، وفيما يتعلق بالنقل والسياحة والتبادل التجاري إضافة إلى التعاون الدفاعي بين البلدين.
وفي ظل الاستعداد التركي الواضح والجاهزية العالية فإن الأردن يعتقد بأن تنويع علاقاته وخياراته الاقتصادية يشكل ضمانات أكبر لاستقرار البلاد وتنميتها، وينسحب هذا التقدير على السياسات الأمنية والسياسية الأخرى تجاه أزمات المنطقة والقضية الفلسطينية أيضا.
إذ يشعر الأردن بتطابق في كثير من الرؤى والمواقف مع تركيا من جهة، ويعتقد بأن تركيا تمثل إسنادا جادّا وواقعيا لمواقفه، بخاصة ما يتعلق بالقدس وحل الأزمة السورية واستقرار البلاد وإنهاء الجماعات المسلحة والقضاء على بؤر الإرهاب فيها.
ومن جهة أخرى فإن تركيا تعتقد بأن الموقع المحوري والجيوسياسي للأردن، فضلا عن تلاقي الرؤى والمواقف معه تجاه القضايا الكبرى يجعل من العلاقة معه تطورا مهما في فاعلية السياسة الخارجية التركية بما في ذلك السياسة الاقتصادية.
وفي الوقت نفسه يوفر صديقا فاعلا ومؤثرا في قضايا المنطقة، كما أن لدوره في القضية الفلسطينية وللأمن في الإقليم أهمية كبيرة في التلاقي مع السياسات التركية، وإن وضعه الاقتصادي يحتاج إلى إسناد حقيقي ليستمر بهذه السياسات والدور، ما يجعل تركيا طرفا مهما في مساعدته على الاستمرار بتحقيق الاستقرار والنماء والمحافظة على قدراته على اتخاذ قرارته السيادية بعيدا عن الضغوط من مختلف المحاور.
وهو ما يزيد بالمفهوم التركي من قدرة المنطقة على بناء تعاون وعلاقات بينية مختلفة بعيدا عن الضغوط الخارجية، ويزيد من فرص تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
وعلى الرغم من الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية المتعلقة بالبلدين ومصالحهما المشتركة، فإن لهذه العلاقة مستوى إقليميا مهما إذ تزيد هذه العلاقات من وزن تركيا الإقليمي، فيما تزيد من أهمية الأردن وقدراته على القيام بدور فاعل في المنطقة بعلاقاته مع قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية مثل تركيا، ليضيف إلى رصيد كل من الدولتين أهمية إقليمية جديدة.
ولذلك فإن مستقبل العلاقة وطبيعة تناميها يستند إلى فلسفة التعاون المشترك في الجوانب المتعددة وبخاصة الاقتصادية، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، ودعم الشعب الفلسطيني، وتوسيع دائرة حل الأزمات سياسيا وبخاصة في سوريا والعراق وإلى حد ما في الخليج العربي. الأمر الذي يعطي فرصة قوية لتقوية العلاقة واتساعها على المدى المتوسط خصوصا في المجال الاقتصادي الأكثر إلحاحا بالنسبة للأردن، وفي ظل الاستعداد التركي لذلك وإيمانها بأهميته وأولويته.
* رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط