بقلم: الدكتور عبدالمهدي القطامين
ليست بريئة هذه الهجمة الفيلمية على
مواقع جنوبية بدأت بـ"جن" الذي خطط له بليل ليضرب مفصلا مهما من مفاصل
المجتمع الاردني وهو الثقافة الاجتماعية المحافظة لاهل الاردن عبر تصوير العلاقات
الخارجة عن اطار القيم والعادات والدين والتقاليد والشرف على انها علاقات عادية
طيبة وكان مكمن الخطورة الاكبر في " جن " انه استهدف جيل الناشئة وفي
مدرسة ثانوية محاولا ان يخترق حاجز الشرف عند المراهقين والمراهقات في هذا السن
المبكر ثم ربط ذلك بدلالة تاريخية عبر التصوير في البتراء النبطية التي تشكل احد
اعمدة الحضارة العربية في الجنوب الاردني الذي ما زال محافظا على بعض تقاليده
وانتمائه للوطن تاريخا وحضارة وللاسماء التي تم اختيارها في الفيلم دلالاتها الاردنية
البحتة مثل فهد وهو من الاسماء الدارجة في الجنوب ثم جاء فيلم جابر لا ليجبر ولكن
ليكسر ويهشم المزيد من حقائق التاريخ ومسلماته.
فيلم جابر الذي يقوم عليه منتجون من
اسرائيل يسعى وبحسب بعض الممثلين فيه على نقض حقيقة نبطية البتراء وعروبتها وجعلها
اسرائيلية تاريخيا وهو مرمى خبيث ومقصد بائس يحاول الصهاينة الترويج له ليس الان
فقط ولكن منذ زرعوا في ارض فلسطين معتقدين ان تزوير التاريخ هو الخطوة الاولى لحذف
عروبة فلسطين وما حولها من ديار بمفهومنا الديني تشكل ارض الحشد والرباط ومنطلق
اعادة تحرير القدس وفلسطين من الكيان المحتل .
فيلم جابر فيلم تاريخي معاصر يقوم من
خلاله القائمين عليه بالتنقيب عن الاثار في المنطقة وتحديدا في منطقة البتراء
ليجدو لاحقا قطعا معدنية تؤكد كما يزعمون انها تمثل التواجد اليهودي في المنطقة ما
قبل التواجد النبطي العربي باحثين بذلك عن موطىء قدم للبدء في تشويه متعمد آخر
للتاريخ ونسبة البتراء الى سلالتهم التي كانت في المنطقة كما يزعمون والمثير في
موضوع الفيلمين انهما يستهدفان التاريخ والشرف معا وان هناك ايادي خفية تعمل معهم
من الداخل لتحقيق هذه الرؤيا والهدف وهي على الاغلب ايادي لا يعنيها كثيرا ما
ذكرنا وتحاول ان تشوه المجتمع الاردني وثقافته وتاريخه باعتبار ان الثقافة هي اخر
الحصون التي تدفع عن الوطن غائلة الغزو والتدمير الذاتي .
ظاهرة تصوير الافلام في الجنوب بدأت
تنتشر بقوة في الاونة الاخيرة وهي تشكل مصدر دخل اقتصادي لا بأس به لكن هذا يضع
اكثر من تحد امام الجهات المعنية بتنظيم هذه الاعمال واولها كما اعتقد هيئة
الاعلام التي تمنح التراخيص لمثل هذا النشاط فعليها يقع اللوم والشوم كما يقولون
وعليها ان تخرج من عباءة الروتين المعتاد في منح التراخيص لمن هب ودب وان تقوم
بقراءة اي نص او سيناريو يقدم لها من اجل التصوير في المملكة وفي الجنوب تحديدا
وان تجيز ذلك او لا تجيزه بمقدار ما ينسجم النص مع ثقافة الاردنيين وعاداتهم
وقيمهم واخلاقهم اما ترك الحبل على الغارب لكل شيطان للعبث بنا فذلك امر لا ينبغي
السكوت عليه او الاغضاء عنه وتحت اي ذريعة .
لسنا ضد الانفتاح على العالم ومخاطبته
والتاثر به والتاثير فيها لكننا مع المحافظة على ثوابتنا فمن يرى ان جن وجابر لا
يحملان اي سوء لنا هو واهم وفي النهاية تلك اخلاقه ومعتقداته اما ان يفرض رأيه
علينا لنقتنع به وندافع عنه فذلك لن يكون لأن لعنة التاريخ كبيرة ولأن تخلي المجتمع
عن قيمه واخلاقه بل وعن تاريخه هو بداية الانهيار والنهاية لا سمح الله ولا قدر .