بدأ أول أيام مؤتمر البحرين "السلام من أجل الإزدهار" يوم الثلاثاء 25 يونيو/حزيران ويعرف في الصحف الغربية بـ "Peace to Prosperity" الذي انعقد في العاصمة البحرينية "المنامة" ضمن خطة للسلام في المنطقة بإدارة أمريكية وتحديداً صهر الرئيس الأمريكي ترامب ومستشاره "جاريد كوشنير".
مع أول أيام ورشة العمل تزامنت موجة غضب شعبي عارمة في بعض الدول العربية كالأردن ولبنان والمغرب وامتدت لتصل العاصمة الألمانية برلين رفضاً للمؤتمر.
افتتح الورشة في يومها الأول المستشار الأمريكي كوشنير بكلمة استمرت عشرين دقيقة عن ضرورة تهيئة الأجواء الملائمة للإستثمار، مشيراً إلى رغبة كثير من رجال الأعمال الفلسطينيين بحضور المؤتمر، إلّا أنّ عدم مشاركتهم كان وراءه منع السلطة لهم، في نفس الوقت أرجأ كوشنير عدم إمكانية إبرام إي مشروع استثماري في الضفة الغربية وغزة إلى كونهما معزولتان بالإضافة إلى الخوف من الإرهاب في المنطقة، على حدّ تعبيره، مضيفاً أنّنا بالسلام فقط نستطيع جلب المستثمرين إلى الضفة وقطاع غزة لتشمل مصر والأردن ولبنان.
تقوم خطة كوشنير على 3 محاور رئيسية، هي الإقتصاد والشعب والحكومة.
المحور الأول يتمثّل الجانب الإقتصادي في إنشاء بنية تحتية تتناسب وحجم الإستثمار في المناطق الفلسطينية بهدف تعزيز قدرات الاعتماد على الذات وإيجاد فرص عمل من خلال تقنين نسبة البطالة، والعمل على زيادة دخل الفرد. وتطرّق إلى أنّ 99 بالمائة من كهرباء الضفة الغربية من الخارج، كما ونوّه لوجود مولد معمل ديزل في غزة لا يعمل، وبالإمكان إعادة هيكلته ليعمل على تحويل الديزل إلى غاز وتمديد الأنابيب الملائمة لنقله.
والحديث عن طريق سريع وسكة حديد يربط بين الضفة وغزة بقيمة 5 مليارات.
وشدّد على تهيئة البيئة المناسبة للإستثمار من خلال الأمن والسلام، هذا لأنه سبق ودُمرت كثير من الاستثمارات التي ساهمت في تقوية البنية التحتية بسبب تفاقم النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
أما المحور الثاني "الشعب" فيجب العمل على تطوير الموارد البشرية من خلال تنمية المهارات والقدرات الموجودة عند الفلسطينيين لتتلاءم في مجالات كثيرة متعددة مع تنوّع الفرص الاستثمارية، وتطوير الرعاية الصحية وتحسين مستوى المعيشة، هذا بالإضافة إلى التعليم، حيث خُصّص 500 مليون دولار لإنشاء جامعة فلسطينية، المفترض أنّ تكون من ضمن أفضل 150 جامعة دولية. هذا كلّه ليتم على أكمل وجه يجب تمكين الحوكمة - وهي المحور الثالث والأهم، الذي لم يقدّم عنه أي تفصيل عدا إسمه - لمنع أي عارض قد يهدّد هذا المشروع الضخم الذي تدارسناه بدقّة وعناية.
بعد الإشادة والإطراء بسياسة ترامب وعمله على تحسين مستوى المعيشة في بلده فإنه يرى من الضروري العمل على على تحسين مستوى معيشة الفلسطينيين، حيث أنّ الأموال التي ستستثمر هي موزّعة على عدّة قطاعات مثل النقل والمياه والكهرباء والخدمات الرقمية والسياحة والتعليم والتصنيع والبنية التحتية بشكل عام، ولقد أشار إلى أنّه يعمل من خلال هذه الورشة لتغيير مسار التاريخ في المنطقة على مراحل، مطالباً الشعب الفلسطيني بالتفكير بمنطقية وواقعية أكثر.
كما وأضاف إلى أن هذا المشروع ليس كما هو متداول تحت مسمّى "صفقة"، إنمّا يأخذ طابعاً أكثر إيجابية، فهي فرصة القرن وليست صفقة.
ولقد طرح كوشنير تجربة العديد من الدول في ال 75 عاماً المنصرمة مثل سنغافورا وكوريا الجنوبية واليابان، بيرو والصين وبولندا، مضيفاً لضرورة تفادي الأخطاء التي وقعت بها هذه الدول أثناء نهضتها.
كما قال أنه يثمّن وجود الحضور لمواجهة التحديّات معه، وأنّ الحكومة الأمريكية ورئيسها ترامب ملتزمان لإيجاد مستقبل أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
إذا طُبق هذا البرنامج على حدّ تعبير كوشنير فسيصبح بالإمكان زيادة قد تصل إلى ضعفي الناتج المحلي وتخفيض معدل البطالة.
يسعى الآخر لجمع 50 مليار دولار للبدء في المشروع من جهات عربية وأوروبية وأمريكية، بالإضافة إلى هبات وقروض مدعومة، حيث خُصّص 28 مليار للضفة وغزة و22 مليار لكلّ من الأردن ومصر ولبنان لتقوية الإندماج الاقتصادي بينهم بالإضافة إلى إسرائيل.
تضمّن تقرير كوشنير التسويقي 140 صفحة، غير أنّ القسم الذي عُرض على المشاركين في المؤتمر لم يتجاوز ال 30 صفحة، مضيفاً إلّا أنّ بقية المشروع متضمناً الجانب السياسي ستعرض بعد إنتهاء الإنتخابات الإسرائيلية في شهر سبتمبر/أيلول.
ولقد استضافت الورشة نخبة من رجال الأعمال على المستوى العربي والدولي مثل الإماراتي محمد العبار والأمريكي ستيفن شوارتزمان اللذان أشادا بمشروع كوشنير وجهوده حتى استطاع تقديمه بين أيديهم اليوم.
لم يتجاوز حديثهما الربح والخسارة بالمشاركة بهذا المشروع الضخم والمعادلات الرقمية ودون أي تعقيب على قضية الإنسان في فلسطين.
ومع انتهاء اليوم الثاني والأخير، الأربعاء 26 يونيو/حزيران لمؤتمر المنامة، نقف على عدّة نقاط في الورشة التي تجاوزها صاحب فكرة المؤتمر كوشنير في طرحه.
الفعالية كانت أشبه بالإجتماعات المالية للشركات أو المؤسسات غير الربحية في طريقة عرضها المشاريع للحصول على أكبر قدر ممكن من المال، فكيف لكوشنير استبعاد الجانب السياسي في قضية فلسطين؟ فقد تداول الطرح وكأن المشكلة هي اقتصادية بحته وليست قضية أمّة، قدّم الطرح الإقتصادي وبدأ حشد الأموال قبل التطرّق إلى سبل حلّ القضية السياسية في المنطقة وهي التي تعتبر اللبنة الأولى لبدء أي مشروع اسثماري بالحجم الذي يقدّمه، وكأنه انطلق من المثل الشعبي القائل "طعمي الثم تستحي العين".
لقد انطلق بخطته من تجارب دول مثل سنغافورا وكوريا الجنوبية واليابان، بيرو والصين وبولندا، مستثنياً الجانب الإحتلالي القائم في فلسطين، فالأَولى أنّ تكون المقارنة بدول تشترك بالوضع السياسي مع فلسطين، وليس وضع دول خرجت من حروب بإستقلالية قرار سياسي كامل.
المؤتمر لم ينجح فعلي كما يسوّق له، هذا لأن العالم العربي لم يقدّم كثير من الحماس، حتى الوجود العربي مثل الأردن ومصر وهما اللّتان لديهما اتفاقيات سلام مع إسرائيل وتتسلّمان مليارات الدولارات سنوياً من الحكومة الأمريكية، اقتصرت على إرسال وفود رسمية مثل وزير أو نائب أو مندوب مثل قطر والمغرب، أمّا مشاركة إسرائيل فقد اختصرت على إرسال وفد صغير من رجال الأعمال. أمّا السعودية والإمارات فرغم انشغالهما بالتهديات الإيرانية إلّا أنهمّا تواجداتا بالظلّ، مع سعي الدولتان للتخلّص من القضية الفلسطينية، لأنّهما تطمحا لإستقطاب إسرائيل كحليف عسكري في الحرب معهما ضد طهران.
هذا مع الرفض العراقي والسوري والكويتي والأهم الفلسطيني، وأستحضر هنا مقولة رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري تهكّماً على ما يدور في المنامة حيث شبهه بالعرس والجميع حضور عدا العريسين.
التاريخ في الشرق الأوسط مليء بوعود بمليارات الدولارات، والتي سرعان ما تتبدّد بعد مؤتمرات غاية في اللمعان، كما أن التجربة التاريخية في الشرق الأوسط تظهر أنه بدون حلول سياسية مستقرة، من السهولة جداً التراجع بأسرع من التصوّر عن التقدّم الاقتصادي.
على سبيل الطرح فممرّ العبور بين غزة والضفة الغربية، الذي أشار إليه الآخر في خطته تم تصوّره بالفعل سابقاً ووفق عليه عدّة مرات إلّا أنّه لم يتحقق في العقود الثلاثة الماضية.
المحور الثالث وفي إشارة إلى المحور الثالث ألا وهو "تمكين الحوكمة" الذي لم يقدّم عنه أي تفصيل أثناء الورشة، الواضح للعيان من خلال الخطة بأن المقصود بالحوكمة هي سيطرة حكومة واحدة على المناطق الفلسطينية والإسرائيلية، ولا أظن أنّ هناك من يعتقد بأنّ هذه الحكومة المقصود من ورائها هي السلطة الفلسطينية.
ومعنا أثناء تتبعنا لمؤتمر المنامة في البحرين كانت الدول الغربية أيضاً تنظر إلى الجانب الآخر من الخطة، فانتقدت الصحيفة الألمانية "Tagesspiegel" خطة "السلام من أجل الإزدهار" حيث يمكن ترجمتها على أنها "أن تأكل أو تموت" أو "الأرض مقابل السلام"، بل "المال مقابل السلام". ووصفت الجريدة خطة كوشنير للسلام أنّها غير مكتملة الأركان.
ما أشبه البارحة باليوم، من وعد بلفور إلى وعد كوشنير ومن 22 مليار دولار للأردن ومصر ولبنان كفيلة أن تعيدنا إلى النكبة 1948م ومعها تأسيس دولة الإحتلال ومنح سوريا مبالغ شبيهة لتستوعب معظم النازحين الفلسطينيين.