من المتوقع أن تتوالى ردود الفعل الدولية الرافضة والمنددة بموقف (بل قل بالزلزال) الذي أثاره الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) حين اعترف بفرض السيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السوري المحتل. كذلك، لا خلاف على أن موقف (ترامب) يشكل دعما قويا لرئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتانياهو) الذي طالما طالب بهذا الاعتراف خاصة مع تأزم وضعه داخليا في ظل اقتراب الانتخابات التشريعية الإسرائيلية. وفي هذا تقول المحللة السياسية الإسرائيلية (نعمه لانداو): "منح ترامب صديقه نتنياهو هدية كبرى قبل أسبوعين فقط من التوجّه إلى صناديق الاقتراع في إسرائيل: هضبة الجولان ملفوفة بورق لمّاع ومربوطة بشريط".
نقلت الصحافة الإسرائيلية، وفق مصدر سياسي إسرائيلي، أن "اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المحتل الإسرائيلي للجولان السوري يحدد مبدأ يمكن بموجبه الاحتفاظ بأراض تم احتلالها خلال حرب دفاعية"!!! في هذا السياق، يتكاثر الحديث عن إمكانية سريان ذات الأمر على الضفة الغربية أيضا!!! فبحسب إسرائيل، تم احتلال الضفة خلال "حرب دفاعية" أيضا!!! وهذا بالضبط ما يسعى له اليمين الإسرائيلي، باعتبار أن الاعتراف بسيادة الاحتلال على الجولان السوري يمكن أن يشكل أساسا لحملة مستقبلية إزاء البيت الأبيض تطالب بـ"الاعتراف" بالسيادة الإسرائيلية أقلها على مناطق "ج" في الضفة. وهذا ما جرى ويجري على أكثر من لسان. ففي السياق، سارع عضو الكنيست عن حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف (بزلئيل سمورتيش) بدعوة الرئيس الأمريكي إلى الاعتراف بـ"سيادة" إسرائيل على الضفة المحتلة. وقال: "الرئيس ترامب شكراً لك. منذ 52 عاماً، نجحنا أيضًا في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)؛ فهي أيضا ذات أهمية استراتيجية وتاريخية وأمنية لإسرائيل. لقد حان الوقت للاعتراف بسيادتنا عليها. سنعمل على تحقيق تلك الخطوة قريبا، ونأمل في دعمكم (ترامب) أيضا". وعلى ذلك، يرد المحلل السياسي (مردخاي كرمنيتسر) فيقول: "نحن بحاجة إلى قدر كبير من الخيال كي نرى في احتلال الضفة حرباً وقائية. ليس هناك أي تشابه بين الضفة وبين الجولان ومن ذلك عدد السكان غير اليهود، وأهمية الضفة في تحقيق حق تقرير المصير الوطني الطبيعي للشعب الفلسطيني، وسلوك إسرائيل تجاهها. استخدام القوة أو التهديد لا يمنحان السيادة على الأرض".
قبلها بأيام، حذفت وزارة الخارجية الأمريكية من تقريرها السنوي مصطلح "محتلة" عند إشارتها إلى الضفة وقطاع غزة والجولان وذلك في إطار وثيقتها حول ما تسميه "حال حقوق الانسان في العالم"!!!. وفي ضوء (بل ظلام) هذا التطور، رأى حزب "اليمين الجديد" برئاسة وزيري التعليم (نفتالي بنيت) والعدل (ايلييت شاكيد) أن هذا التطور يفسح الطريق أمام الاعلان عن ضم اسرائيل للمنطقة (ج). ومما قاله (بنيت) "لقد حان الوقت لتطبيق السيادة في المنطقة (ج). إعلان الولايات المتحدة، يلزم إسرائيل اتخاذ قرارات حقيقية وجريئة تساعد (أمن إسرائيل) و(المساواة الكاملة) في (الحقوق) لجميع (مواطنيها)"، في اشارة الى المستعمرين/ المستوطنين في الضفة. وبالمناسبة، مثل هذا الموقف لا خلاف عليه بين الأحزاب اليمينية في إسرائيل على رأسها "الليكود" حيث طالب (نتنياهو) نفسه الرئيس الأمريكي الاعتراف بسيادة إسرائيل على الضفة بعيد إعلان الثاني نهاية 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية الى المدينة المحتلة.
من جانبها، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مقالا للكاتب (مايل كوبلو) حول تأثير الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان قال فيه: "سيجد قادة اليمين الإسرائيلي ضوءاً أخضر لضم الضفة. فاليمين يقرأ هذه الإشارات كتشجيع لمواصلة ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية – وهي خطوة أكثر خطورة من شأنها أن تعرض إسرائيل لتهديد وجودي لا مثيل له لطابعها اليهودي والديمقراطي". وأضاف: "ضم الضفة سيحول دون استقلال دولة فلسطينية، ويخاطر بإشعال الشرق الأوسط بأكمله.هذا التهديد لم يعد بعيدًا عن الأفق". أما رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" (ألوف بن) فكتب يقول: "من المنتظر أن يكون للاعتراف الأمريكي بضم الجولان انعكاسات متعددة الدلالات. من المتوقع أن يزيد اليمين ضغوطه من أجل البدء بتطبيق القانون الإسرائيلي على منطقة (ج) التي توجد فيها كل المستوطنات، وحيث تعيش أقلية من السكان الفلسطينيين. وبذلك، تواصل إسرائيل غرقها في إدامة الصراع مع جيرانها بدلاً من البحث عن سبيل من أجل الخروج منه". أما الكاتبة (لانداو) فتقول: "إذا استمر توجّه الاعتراف بالضم واليأس من وجود شركاء للسلام، بعد وقت قصير ستبرز أيضاً مسألة ضم الضفة وربما ضم القطاع أيضاً. ما يجري هو مسار تاريخي خطر يدل على التخلي الإسرائيلي عن احتمال التوصل إلى اتفاقات سلام مستقبلية مع جيراننا. إسرائيل استسلمت وتخلت عن أفق الحوار الدبلوماسي لمصلحة خطوات أحادية وإقرار حقائق على الأرض".
إن ضم الضفة الغربية لا يعكس فقط مستوى الفكر المتطرف السائد في الحياة السياسية الإسرائيلية بقدر ما هو إعلان رسمي بوفاة "عملية التسوية"، يتبعه بالمطلق مسؤولية إسرائيلية على كل الضفة الغربية، أحبت ذلك أو لم تحبه. وفي هذا الصدد، لا يمكن تجاهل حقيقة أكدتها الدراسة التي أعدتها منظمة "ضباط من أجل أمن إسرائيل" حول التكلفة الفلكية التي ستتحملها دولة الاحتلال في حال قررت ضم الضفة، وعن ذلك، تشير الدراسة إلى أن "التكلفة السنوية التي ستتحملها إسرائيل ستتجاوز 52 مليار شيكل في حال تم اتخاذ قرار بضم المناطق المصنفة (ج)، وستضطر إسرائيل لمنح 66 ألف فلسطيني يقطنون في هذه المناطق صفة مواطنين دائمين، وما يترتب على ذلك من ترتيبات أمنية كبناء جدار فصل عنصري جديد بطول 1787 كم، بتكلفة إجمالية تقدر بـ27 مليار شيكل". وفي كل هذا ثمن اقتصادي على "إسرائيل" تسديده، ناهيك عن الأثمان العسكرية والسياسية والإعلامية التي سيكون على "إسرائيل" تسديدها أيضا.