شهدت خارطة الأحزاب الإسرائيلية تغييرات سريعة منذ إعلان تقديم موعد انتخابات “الكنيست” الإسرائيلي الحادي والعشرين في التاسع من نيسان/ إبريل المقبل. فلقد ظهرت على الخارطة كيانات سياسة جديدة، سواء أكانت أحزابا جديدة أو هي ولدت إثر انشقاقات من أحزاب قائمة أو تكتلها، وجلها برامجها السياسية تتبنى طروحات اليمين المتطرف.
في كل المعارك الانتخابية السابقة التي أجريت في اسرائيل على مدار سبعة عقود، كان الموضوع الفلسطيني هو المتصدر للبرامج الانتخابية، خاصة لدى الأحزاب الكبرى. لكن الملاحظ في المشهد الانتخابي اليوم في إسرائيل، هو السيطرة الحاسمة للطروحات اليمينية بغض النظر عن تسميات حزب يميني، أو حزب وسطي، وكأن المطلوب تعمد الخلط بين اليمين واليسار. فطروحات الأحزاب المؤثرة بالمجمل، إن لم يكن كلها، ترفض حل الدولتين وتؤيد الاستعمار/ “الاستيطان” في الضفة الغربية، بل وباتت ترى في هضبة الجولان المحتل جزء لا يتجزأ من إسرائيل.
بالإضافة إلى “الليكود”، الذي يتزعمه رئيس الوزراء (بنامين نتنياهو) والمعروف ببرنامجه اليميني المتطرف، يأتي على رأس الأحزاب المنافسة حزب “أزرق أبيض”، الذي يزعم أنه حزب “يسار وسطي”!! وكان هذا الحزب قد تأسس نتيجة تحالف بين حزب قائد الجيش السابق (بيني غانتس) “الحصانة لإسرائيل”، وحزب القيادي “الوسطي” (يئير لبيد) “يش عتيد”، الذي يشمل برنامجه الدعم لقدس “موحدة” كعاصمة لإسرائيل، واستمرار احتلال غور الاردن، والحفاظ على الكتل الاستعمارية/ “الاستيطانية” في الضفة الغربية، مع ملاحظة تجنبه ذكر “حل الدولتين” في برنامجه السياسي. وبالمجمل يتوافق برنامجه مع سياسة اليمين وأحيانا اليمين المتطرف، بل هو يتجاوزها في قضايا عديدة. فمثلا، هدد (غانتس) قبل أيام بالعودة إلى سياسة الاغتيالات ضد القيادات الفلسطينية في قطاع غزة، ووصف السياسة التي اعتمدها (نتنياهو) في القطاع المحاصر بـ”الضعيفة”، مؤكدًا أنه سيعمل على تغييرها.
يأتي من بعده، حزب “اليمين الجديد”، الذي أقيم حديثا برئاسة وزيرة القضاء (أيليت شاكيد) ووزير التعليم (نفتإلى بينيت)، بدافع معلن هو استقطاب المزيد من العلمانيين اليمينيين، كحزب قادر على منازعة (نتنياهو) على أصوات اليمين. وموقفه واضح جاء على لسان (بينيت): “اليمين هو اليمين، بدون ولكن.. أو تقريبًا. اليمين هو ضد إقامة دولة فلسطينية، وضد إطلاق سراح الأسرى”. كذلك الحال مع حزب “هوية” الذي شكل برنامجه السياسي صدمة مرعبة، وفق عديد المراقبين، كونه يدعو لإلغاء الوجود الفلسطيني والاكتفاء بدولة واحدة: هجرة طوعية للفلسطينيين، وطرد للسلطة، وفرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى وبناء كنيس فيه، والضفة الغربية ضمن الدولة اليهودية. وقد برز الحزب ضمن قائمة الأحزاب المرشحة بقوة لدخول الكنيست، ويرأسه القيادي السابق في “الليكود” اليميني (موشيه فايغلين) الذي يزعم أن “القدس بشكل عام وجبل الهيكل على وجه الخصوص، هي في جوهر الوجود القومي اليهودي عبر الأجيال”… وأن القدس الكبرى ستضم كذلك “بيت لحم ومستوطنات غوش عتصيون في الجنوب، وبيت شيمش وموديعين في الغرب، ومدينة رام الله في الشمال، ومعاليه أدوميم وأريحا في الشرق”.
“من يفوز في الانتخابات الإسرائيلية، فإن النتيجة ستكون هي نفسها”. عنوان مقال للصحفي والكاتب الإسرائيلي (عكيفا الدار) الذي أوضح أن من يتابع الموسم الانتخابي وينظر إلى دعاية الحملة والاستماع إلى خطب المرشحين يجد صعوبة في فهم لماذا تتورط إسرائيل في صراع عنيف مع ملايين الأشخاص الخاضعين للاحتلال العسكري لأكثر من 50 عامًا. وقال: “نظام الفصل العنصري في الضفة الغربية، والأزمة الإنسانية الناتجة عن الحصار المفروض على مليوني فلسطيني من غزة، والتهديد للهوية الديمقراطية لإسرائيل، والفرصة الضائعة لمبادرة السلام التاريخية لجامعة الدول العربية – كل ذلك غائب فعليًا عن الأجندة العامة”. ويختم: “كان يمكن أن يعلنوا ما يقوله معظم أعضاء المخابرات خلف الأبواب المغلقة – أن استمرار الاحتلال هو أكبر تهديد استراتيجي لإسرائيل”.
الصراع في إسرائيل لم يعد اليوم، كما كان يحلو لنا رؤيته قبل عقدين، بين يمين ويسار أو بين صقور وحمائم، بعد أن باتت إسرائيل دولة ومجتمعا أكثر تطرفا وتعصبا وعنصرية. فمؤسسات الدولة باتت تعكس التحولات السياسية اليمينية المتطرفة في المجتمع ذلك أنه مع خسائر ما يسمى “اليسار” المتتالية على مدى السنوات الماضية، تحول اليمين المتطرف من عقيدة إلى مشروع دولة. والحال كذلك، المتوقع أن يكون “الكنيست” القادم تحت سيطرة أغلبية يمينية كاسحة، والحكومة الجديدة بغض النظر ممن ستشكل ستؤشر على أن اليمين هو المكون الأساس في الدولة الصهيونية. لذا فلا رهان حقيقيا – فلسطينيا – على التغيير اللهم إلا إن كان نحو الأسوأ، ذلك أن الانتخابات – في جلها – هي منافسة اليمين… مع… اليمين!