قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي ليست قضية إنسانية فحسب، فهي تشكل أحد أهم قضايا الصراع مع العدو الصهيوني، وجزءا أساسيا من نضال حركة التحرير الوطني الفلسطيني، وأحد دعائم مقومات القضية الفلسطينية، وتحتل مكانة عميقة في وجدان الشعب الفلسطيني لما تمثله من قيمة معنوية ونضالية، بل هي أضحت، في بعض الأحيان، حركة قائدة ومبادرة في العمل الجمعي الفلسطيني.
في استهتار جديد بالقانون الدولي وبأرواح الفلسطينيين أقرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قانوناً لتجميد تمويل علاج الأسرى في سجونها، مشيرةً إلى أن "علاجهم يجب أن يكون على حسابهم". كذلك تصاعدت اقتحامات وحدات القمع الإسرائيلية غرف الأسرى بعد إعلانهم الاضراب العام إثر استشهاد الأسير (فارس بارود) داخل سجن ريمون بعد أن أمضى 28 عاماً في سجون الاحتلال، فيما أعلن رئيس حكومة اليمين المتطرف (بنيامين نتنياهو) إن المجلس الأمني والسياسي الإسرائيلي المصغر (الكابينيت)، سيلتئم خلال يومين بهدف بحث السبل لتنفيذ قانون سلب مخصصات عائلات الشهداء والأسرى، مؤكدا بأنه "سيتم الشروع قريبا في خصم المخصصات من عائدات الضرائب التي تجبى للسلطة الفلسطينية".
وفي السياق الأشمل، وضع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية دول العالم بصورة الأوضاع الصحية الاستثنائية التي يعيشها الأسرى المرضى الفلسطينيون، و"معاناتهم بسبب سياسة الإهمال الطبي المتعمدة من قبل سلطات سجون الاحتلال، والتعرض لأساليب التعذيب الجسدي والنفسي الوحشي والممنهج، وقيام مصلحة السجون بحرمانهم من الرعاية الطبية المطلوبة، وممارسة القهر والإذلال والتعذيب من قبل طواقم الاعتقال والتحقيق، والمماطلة بتقديم العلاج المناسب واستغراق مقابلة الطبيب شهوراً طويلة". كذلك، فإن "عدد الأسرى المعتقلين في سجون الاحتلال بلغ حتى نهاية عام 2018 نحو 5700 معتقل، منهم نحو 700 أسير مريض، 37 منهم في حالة الخطر الشديد، وقرابة 30 أسيراً مصاباً بالسرطان. ولقد استشهد 217 أسيراً فلسطينياً منذ العام 1967 حتى نهاية عام 2018، منهم 75 استشهدوا نتيجة القتل العمد، و7 نتيجة إطلاق النار عليهم مباشرة، و62 نتيجة الإهمال الطبي، و73 نتيجة التعذيب". ومن جانبه، أكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين بأن "عدد الشهداء بلغ 218 أسيرا، وعدد الأسرى المرضى داخل السجون حوالي 700 مريض، منهم المصاب بالسرطان، والشلل النصفي، والفشل الكلوي... الخ، والحالات تزداد يوما بعد يوم".
اليوم، تواجه الحركة الأسيرة خطرا كبيرا حيث تمعن سلطات الاحتلال في انتهاكاتها وتصعد من جرائمها بعد أن تحولت سجونها إلى ساحات للقمع والاعتداءات والقتل البطيء وأماكن للإهانة والإذلال والتعذيب الممنهج وزرع الأمراض العديدة. وتتبع مصلحة سجون الاحتلال إجراءات لاإنسانية، تنفيذا لقرارات حكومة اليمين المتطرف وقوانين الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) لن يكون آخرها قانون منع الإفراج عن أسرى فلسطينيين، ومشروع قانون إعدام أسرى نفذوا عمليات ضد أهداف إسرائيلية، وهي كلها إجراءات وقوانين تهدف للنيل من إرادة الأسرى وإضعاف عزيمتهم. والحال كذلك، المطلوب فلسطينيا، الدعوة إلى أوسع حركة تضامن مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، مع تفعيل النشاط بين أحرار العالم والمؤسسات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني التي تنادي باحترام حقوق الإنسان للضغط على سلطات الاحتلال من أجل الاستجابة لمطالب الأسرى، مع الاستمرار في تعرية المحتل وكشف جرائمه. كذلك، تفعيل الشارع الفلسطيني شعبيا وفصائليا ليكون داعما لأسرى الحرية. وفيما يتعلق بالجرائم الطبية، يجب التعاون مع منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الحقوقية والإنسانية، لإحداث نقلة جدية في التعامل مع ملف الأسرى، بل ودفع المحكمة الجنائية الدولية إلى البدء بفتح تحقيق في الجرائم التي اقترفت وما زالت بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فمعظم الحالات المرضية داخل السجون من صناعة إدارة المعتقلات التي حرمت الأسرى من كل أصناف العلاج، وجعلت منهم مشاريع موت.
يعاني الأسرى داخل سجون الاحتلال من أبشع الانتهاكات، سواء من خلال إدارة مصلحة السجون، أو من خلال سياسة الاحتلال. والقوانين التي تقدم في الكنيست ضدهم، وضد عائلاتهم، تهدف إلى المزيد من التنكيل بهم والتضييق عليهم. لكن رغم كل ما سبق، فإن الأسرى الفلسطينيين ما زالوا متمسكين بالأمل، فهم أصحاب ظاهرة سفراء الحرية، "النطف المهربة"، الذي هو في حقيقة الأمر ابتكار جديد لصناعة الحياة من داخل زنازين الموت، حيث يؤكدون على حقهم في الحياة وممارسة حقوقهم المشروعة والمكفولة على أكمل وجه من خلال المبادرة إلى بناء أسرة كريمة لهم خارج الأسر. وقد وصل عدد أطفال "النطف المهربة" من داخل سجون الاحتلال خلال نهاية 2018 الى 68 طفلا بينهم "17" طفلا أنجبوا خلال 2017، وكان آخرهم ابن الأسير سائد صلاح من جنين والمحكوم بالسجن 27 عاما.