بقلم: د. طلال طلب الشرفات
في التقرير الصادر عن المجلس الاقتصادي
والاجتماعي؛ برزت ملاحظات دراماتيكية تتضمن توصيفاً مخيباً للآمال لحالة البلاد
الاجتماعية، والسياسية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، وأن الحكومات عجزت عن
تنفيذ الاستراتيجيات لعدم وجود خطط تنفيذية مرتبطة بجداول زمنية، وغياب العدالة،
ومعايير الكفاءة، والرقابة والمساءلة، وأن الحل الوحيد للخروج من الأزمة يأتي من
خلال فهم موحد للمصلحة الوطنية وتحديد الأولويات.
علينا أن نعترف بحجم الأزمة التي تعتري
المشهد الوطني، وعلينا أكثر إدراك مستوى المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق
الحكومة، والبرلمان، ومنظمات المجتمع المدني، والنخب الوطنية الصادقة المنتمية في
المعارضة والموالاة على حد سواء، ففكرة كرة الثلج التي يقتات عليها حراك الرابع
المفتعل، والمنفعل؛ لتعظيم حجم الأزمة الوطنية أضحت تنمو على فتات الخطاب المرتبك،
والانقياد المحيّر لصراخ المراهقين الجدد، والرضوخ لمطالب لم تنتج عن قوة هناك بل
ارتباك هنا.
فالأسلوب الذي يُدار به الحراك الأخير
يثير القلق، وجملة من التساؤلات حول مدى شرعية استمراره في ضوء الاستجابة لمعظم
المطالب، ومدى إمكانية وجود أيادٍ خفيّة تعبث في المشهد العام لاعتبارات داخلية
انتقامية أو خارجية تآمرية. تساؤلات مشروعة ينبغي التوقف عندها كما هو حال
المدافعين عن شرعية الحراك باعتباره يمثل ضمير الشعب، ومطالبه الحرَّة التي تتمثل
في الشفافية، والمساءلة، والنزاهة، وسيادة القانون، ومكافحة الفساد.
في ظني الأكيد أن مشروع قانون العفو
العام كان ابتزازاً سياسياً من جهة، ورشوة سياسية من جهة أخرى؛ بطريقة بقي فيها
بين اخذٍ وردّ إلى أن حسمت حكمة القيادة هذا الملف برؤية ثاقبة ترسخ أمن المجتمع
واستقراره، والحوار الذي يجري في مضامينه ما زال يفتقد لسعة الأفق، والنضج،
والرصانة، وفلسفة التشريع، وحكمة النص؛ بل إن بعض الذين يملكون الرأي فيه يفتقدون
للخبرة، وتقدير المصلحة العليا للدولة الأردنية في هذا الشأن، وإن استمرار مشاريع
العفو العام بهذه المطالبات العشوائية؛ سيؤدي لانهيار مفهوم الردع العام الذي
يرافق العقوبة الجزائية.
الحكومة قدمت كل ما تستطيع تقديمه
لمشروع قانون العفو وتعديلات قانون الضريبة، ونظام الخدمة المدنية، وقانون الكسب
غير المشروع، والجرائم الالكترونية، وحق الحصول على المعلومة، واستعادة مطلوبين في
قضايا فساد، ولكنها لم تكن موفقة في إدارة ملف هذه التنازلات، ونسيت أنها تواجه
حراكاً لا رأس له، ولا مرجعية، حراكاً ما زال يخفي في ثناياه تساؤلات مرعبة،
ونوايا مشفرة، وخطاب مبعثر عنيد لا يقف عند حدٍ.
في تسعينات القرن الماضي كنا شباباً في
أحزاب المعارضة الوطنية، وكان حراكنا الوطني واضحاً، ومطالبنا راسخة وواقعية، وكان
الحوار يتم مع شخصيات وطنية ناضجة تعي مضامين الاحتجاج، وحدود الحراك، وتدرك
محددات الخطاب الوطني وأدبيات مقارعة السلطة، كانت الثوابت الوطنية واضحة المعالم،
والحوار بمستوى الحدث، وهيبة الدولة ماثلة في أذهان الكافة، والاستقواء على الدولة
مصطلح لا يقبل التفكير به مطلقاً.
الأزمة التي يشهدها الوطن أزمة سياسية
بأدوات إدارية، والحل يكمن في إرادة سياسية ناضجة في الدوار الرابع، ومعالجة تنتقل
من الرويَّة والتأنّي إلى الحسم في كل القضايا الوطنية الملّحة....!!!