تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي نقاشات كثيرة مؤيدة ومعارضة لاصدار قانون للعفو العام في الاْردن ، وفِي الأيام الماضية نشط المطالَبون بقانون العفو العام من خلال تنظيم وقفة امام مجلس النواب وتوجها لقاء عفوي بين سيدة ورئيس الحكومة د عمر الرزاز. في حين تجد أناس يعارضون إصدار قانون للعفو العام معتمدين في معارضتهم ان في ذلك ضياع لحقوق الناس وظلم للضحايا الذين خسروا حياتهم وأعراضهم وكرامتهم واموالهم وحقوقهم على أيدي مجرمين .
وهنا انوه ان آخر قانون للعفو العام صدر في العام ٢٠١١ حينها كنت نائبا ً في مجلس النواب السادس عشر وانا من قام بتبني مذكرة المطالبة بقانون العفو العام ووقعها معي (٦٢) نائباً، حيث قمت بصياغة القانون كمشروع رفع من قبل المجلس الى الحكومة ثم صدرت توجيهات ملكية لمناقشة القانون وتم إعادته للمجلس الذي حوله الى اللجنة القانونية لدراسته وإقراره بشكله النهائي وعرض على المجلس وتم التصويت عليه ومر بكافة مراحله الدستورية حتى وشح بالارادة الملكية وأصبح نافذاً . (انظر التعليق الاول أدناه ).
وهنا لا بد ان انوه ان إصدار قانون للعفو العام لا يعني تبييض السجون وخروج كافة المساجين كما ان القانون لا يشمل عدد كبير من القضايا وأهمها قضايا هتك العرض وقضايا القتل عامة باستثناء قضايا القتل التي يحصل فيها صلح بين اطرافها وإسقاط للحقوق مستثنى منها قضايا القتل العمد فلا يشملها قانون العفو العام وان تم فيها صلح ، ولا يعني إصدار عفو عام ضياع الحقوق المالية المترتبة على الموقوفين تجاه الأشخاص او المؤسسات المشتكية، وقد يستثنى من العفو العام قضايا عديدة كسرقة المال العام والرشوة وقضايا الفساد والاتجار بالرق والخيانة والتخابر مع العدو وتزوير البنكنوت والشيكات والمخدرات والافلاس الاحتيالي...
وهنا قد يتساءل احدكم ، ماذا بقي بعد كل هذه الاستثناءات ؟ وان السجون لن يخرج منها احد بعد هذه الاستثناءات، وما جدوى إصدار قانون للعفو العام لا يكون شاملا لكل القضايا،،؟!
وهنا أقول ان إصدار قانون للعفو العام هو بمثابة تبييض لقيود من انتهت محكوميتهم وخرجوا ولكنهم ممنوعين من التوظيف بسبب قيودهم وعدم مرور الوقت الكافي الذي وضعه القانون وهو مرور ست سنوات على الشخص من تاريخ انتهاء محكوميته ليحق له الحصول على شهادة عدم محكومية ليتسنى له العمل بوظيفة تتطلب تلك الشهادة او العمل في وظيفة حكومية. (طبعا ان ضد هذا الإجراء الذي يجعل من أنهى محكوميته مشكوك فيه لمدة ست سنوات ومحروم من الحصول على شهادة عدم محكومية تمكنه العمل او التقدم لوظيفة حكومية لان هذا من شأنه ان يحوّله الى مجرم وقد يكون سببا في عودته للإجرام او تدمير أسر اذا كان هذا الشخص هو معيلها ).
ثم ان هناك عدد كبير من نزلاء السجون موقوفين على قضايا الحق العام للدولة (مخالفات سير ، مقاومة رجال أمن عام ، قضايا سياسية ، قضايا مخالفة قانون الجمارك التي سدد الموقوف التزاماته ولكنه موقوف للحق العام ، وقضايا الضرائب التي سدد فيها الموقوف التزاماته ولكنه موقوف للحق العام ، وقضايا الجنح والتوقيف الاداري ، وأي قضية مالية سدد الموقوف لأجلها التزاماته ولكنه موقوف للحق العام، المرضى وخاصة المصابين بالعجز وكبار السن من لا يستطيعون العناية بأنفسهم، وقضايا منع السفر ).
لقد نتج عن إصدار قانون للعفو العام ٢٠١١ خروج (٦٢٠٠) موقوف وفر خروجهم توفير مبلغ في حدود (٣٠) مليون دينار سنويا هي كلفة بقاءهم في السجون وخففت من ازدحام السجون .
قانون العفو العام هو بمثابة إعطاء فرصة لمن يشملهم القانون او لمن أنهى محكوميته بان صفحة جديدة قد فتحت له فإما ان يحافظ عليها او يعيد تسويدها مرة اخرى فينال عقوبته ويعود للسجن . ويعيد الأمل للمحرومين من العمل على ذنب عوقبوا لاجله وأنهوا محكوميتهم ولكنهم استمروا بدفع الثمن . ويعيد الأمل للاسر التي لديها موقوف على قضايا شملها العفو العام، ويخفف من الاحتقان في المجتمع اذا ما درس القانون بشكل جيد وصدر دون الاعتداء على حقوق الآخرين.
* نائب سابق في مجلس النواب الاردني