بقلم: د. اسعد عبد الرحمن
منذ قيام "إسرائيل"، وصولا إلى (بنيامين نتنياهو) لم يشعر الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948 أنه شخص مرغوب فيه، أو أنه متساو مع "الآخر"، مثلما لم يكن في يوم ما شريكا حقيقيا. فهو يعرف أنه مواطن من الدرجة الثانية بل الثالثة وربما الرابعة، وأنه المكروه الأكبر في "دولة" رافضة لإنصهار أي عربي في "نظام" يعتبره طابورا خامسا. وللمرة المليون، يلجأ وزير "الدفاع" (أفيغدور ليبرمان) إلى هذه النكتة/ الكذبة حين واصل هجومه الحاد على رئيس "القائمة العربية المشتركة" متهما إياه بأنه "طابور خامس"، وذلك على خلفية الانتقاد الذي وجهه رئيس القائمة إلى عنف الشرطة الإسرائيلية تجاه المتظاهرين العرب في حيفا حين تضامنوا مع أهالي قطاع غزة. بل إن (ليبرمان) هاجم أعضاء الكنيست من "القائمة المشتركة"، وقال إنهم "يتجولون بحرية في كل الأماكن وهذا فشل للأجهزة الأمنية، إنهم مخربون ومكانهم يجب أن يكون السجن وليس الكنيست"!!! بالمقابل، يدرك فلسطينيو 48 أن عنف الشرطة إزاء المتظاهرين، مؤخرا في حيفا مثلا، لم يكن عشوائياً بل مقصوداً، ويشكل جزءاً من التحريض والعنصرية حيالهم، فيما تتوسع دائرة الشك المتبادل، ويتعمق الشعور بالاغتراب. فقبل أيام رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية، بهيئة موسعة من 9 قضاة، الالتماسات التي قدمت لها، لإلغاء واحد من أخطر القوانين التي تستهدف النواب العرب وحريات التعبير، المعروف باسم "قانون اقصاء النواب"، الذي أقره الكنيست قبل أقل من عامين، يجيز لأغلبية من 90 نائبا إقصاء نائب لكامل الولاية البرلمانية. والقصد من "القانون"، طبعا، هو تقييد حرية التعبير، ومحاصرة نشاط النواب العرب، والمناهضين للاحتلال الإسرائيلي من النواب اليهود.
في مقال بعنوان "أن تكون عربيا في إسرائيل"، كتب (ايريس ليعال) يقول: "أحيانا أتساءل كيف يمكن أن تكون مواطنا عربيا في إسرائيل. ما هو الشعور اليومي العادي جدا لواقع كهذا. وعندما أفكر في ذلك، بتقديري أن الشعور يشبه الوعي الذاتي الثقيل الذي يجب على الشخص أن يحمله معه تقريبا في كل لحظة". وفي السياق، كتبت أسرة تحرير "هآرتس": "في إسرائيل 2018، الطريق الأسهل والمضمون أكثر من أجل تعبئة تأييد شعبي هو التحريض العنصري الذي لا مكان له في دولة ديمقراطية... إن أحد أكبر نجاحات نتنياهو هو اقناعه أغلبية الجمهور اليهودي، بأن المواطنين العرب في إسرائيل هم طابور خامس". وخلص إلى أن: "كل مواطن يريد العيش في دولة ديمقراطية يجب عليه أن يكون منزعجاً من العلاقة المهينة والعنصرية والتحريضية للزعامة في إسرائيل إزاء العرب". وفي السياق، بعض الآراء الإسرائيلية تحدثت عما هو عليه الوضع اليوم. فمثلا، كتب (يوسي كلاين) يقول: "شكل المجتمع يتحدد حسب سلوك الأغلبية. (وعندنا) الأغلبية همجية وعنيفة، والأقلية غير مؤهلة لتغيير ذلك. ونحن، يؤسفني قول ذلك، عنصريون وعنيفون. نحن نجني اليوم ثمار تعليم القومية والانعزالية والعنصرية. 70 سنة من هذا التعليم، ليس فقط وزارة التعليم مذنبة، بل أيضا المدرسة. المعلم مذنب وليس فقط الوزير. المعلم ليس مجرد ناقلة تنقل الطالب من البيت إلى الجيش، يوجد له مهمة، توجد له مسؤولية، هو الذي يجب أن يحول الولد إلى رجل، يفهم بنفسه على من مسموح إطلاق النار وعلى من ممنوع. نتائج التعليم شاهدناها في (مجازر) غزة".
الآراء الإعلامية الإسرائيلية التحريضية، والتي تشد على أيدي القادة الإسرائيليين بخصوص تعاملهم العنصري مع فلسطينيي 48، كثيرة. فمثلا، يقول (كلمن ليبسكند): "بعض من زعماء الجمهور العربي في إسرائيل، تظاهروا في حيفا فيما هم يسيرون مع دولة حماس الغزية. وهذا ليس موضوعا جديدا. ففي كل مرة نكون فيها في مواجهة مع أي من أعدائنا، يخرج ممثلو عرب إسرائيل إلى الشارع وينضمون إلى العدو". من جانبه، كتب (مئير عوزيئيل) يقول: "كم محزن أن النواب العرب يختارون التظاهر للتضامن مع حماس، بدلا من التضامن مع ضائقة دولة إسرائيل. كيف يحصل أنه عندما يصل عرب إسرائيل إلى صندوق الاقتراع يصوتون لهذا الحزب المتطرف الذي يكره إسرائيل، "القائمة المشتركة"، الذي كل نوابه يتنافسون الواحد مع الآخر في التعبير عن الكراهية لإسرائيل، ويؤيدون كل فعل عنيف يتم ضد إسرائيل، حتى عندما يدور الحديث عن التضامن مع حماس، التي تدعو وتعمل على إبادة إسرائيل؟".
أما (رون كوفمان) فقد كتب مقالا تحذيريا اعتبر فيه أن الأهل في أراضي 48 "قنبلة موقوتة": "يوجد الكثير من السلاح في الوسط العربي، أكثر مما في حوزة المواطنين اليهود". وختم: "كيف سينتهي هذا؟ شر، بل وشر كبير. القنبلة باتت تتكتك منذ زمن بعيد".
إن سحب شرعية الخطاب السياسي لممثلي وقيادات فلسطينيي 48، هو هدف إسرائيلي قديم – جديد. فكل الادعاءات ضد النواب العرب (ومن انتخبوهم) تحثهم بحصر اهتمامهم فقط بالمشكلات المدنية، بنى تحتية وتعليم وغيرهما، وهذا هو بالطبع القمع السياسي والعنصرية تحت غطاء من العقلانية.