بقلم: اسماعيل عايد الحباشنه
إنها لحظة الوداع التي يعتبرها
البعض من المتقاعدين موتا ونهاية المطاف، حيث تنتابهم مشاعر فارس ترجل عن فرس
العمل ليستقبل بداية حياة عليه أن يتأقلم معها من جديد. ...ان الحديث عن
المتقاعدين ومشاعرهم يطول، فالكثير من الأمور تؤثر على نفسياتهم وتزعجهم وتؤرقهم،
فبعد الكثير من العمل تصبح الحياة فراغاً مملاً، البعض يتقوقع داخل ذاته ويعتزل
الحياة العامة مراقبا عقارب ساعة الحائط حيث تحل ثوانيها مكان دقائقها والدقائق
تهيمن على الساعات فيطول النهار ويتحول إلى دهر، والبعض الآخر يجد في التقاعد
بداية لمرحلة جديدة وامتدادا لنشاط وحيوية، وآخرون لا يعرفون كيف يقضون أوقاتهم
فيتحولون إلى عبء على الأسرة وعلى أنفسهم قبل كل شيء. غير أن هناك من ينظر إلى
التقاعد على أنها فرصة لفعل ما لم يستطع أن يفعله في مقتبل حياته.
في
المجتمعات الغربيه يعتبر المتقاعدون شعلة نشطة للعمل الخيري والتطوعي حيث يسخرون
أنفسهم وعصارة خبرتهم وفكرهم وجهودهم لخدمة المجتمع ونصرة الحقيقة وحدها ويجاهدون
من أجل حل بعض الإشكاليات وفك رموز بعض العقبات التي تقف في طريق الخدمات ومطالب
الناس كنوع من أنواع رد الدين والجميل لتلك المهنة والوظيفة وكنشاط خيري تطوعي
محبب يشغل أوقات فراغهم ووحدتهم ويعيد لهم هيبتهم ويثبت وجودهم داخل كيان المجتمع.
في مجتمعنا يعتبر التقاعد في نظر البعض
نهاية حتمية وحقيقية لمعاني السعادة بل يعده البعض كالقتل الرحيم الذي يشل قدرات
الشخص ونشاطه وحيويته ووجوده وأهميته وكيانه داخل مجتمعه وأمته. قد يكون سلوكه
وتصرفه بعد التقاعد سلبيا وقد يكون منطويا على همه وغمه ونفسه وقد يقع فريسة دائمة
للتشاؤم والقلق والاكتئاب وقد يكون عرضة سهلة لأمراض العصر المنتشرة كالضغط والسكر
وقد تتحطم جميع آمال وطموح نفسه فيتخذ غرفة نومه زنزانة يقضي ما بقي من عمره بين
صمت جدرانها.
التقاعد ليس نهاية المطاف وليس نهاية
العالم وليس نهاية الحياة والكون فكل متقاعد تنتظره مهام ومسؤوليات جمة وعظيمة
وجليلة فينتظره العمل التطوعي وكذلك الخيري وينتظره الشاب الطموح الذي يحتاج منه
للتوجيه والإرشاد ويحتاجه الموظف غير الخبير ويحتاجه متقاعد آخر مثله يشد من أزره
ويأخذ بيده ويخفف من وطأة الحياة وقسوتها عليه ويحتاجه مجتمعه وأمته ووطنه.
وأقول للمتقاعد لا تستسلم ولا تعير
أهتماماً لما قد تسمعه من الآخرين بل يجب أن يكون التقاعد دافعاً لك لبداية حياة
جديدة لممارسة ما تريده من أعمال وهوايات محببة إليك كنت تعجز عن القيام بها عندما
كنت على رأس العمل ولا تجد الوقت الكافي لها.
ما أجمل أن يكون التقاعد فرصة لصلة الأرحام
وتفقد أحوالهم وللقيام بالأعمال الخيرية التي تقربه إلى الله.
ما أجمل أن لا يبخل المتقاعد بخبرته
لمساعدة من التحقوا بالعمل حديثاً.
ما أجمل أن يقوم المتقاعد بمساعدة المحتاج
وأن يفرج كربته.
ما أجمل أن يخصص المتقاعد وقتاً لزيارة
أصدقاؤه القدامى والسؤال عنهم.
ما أجمل أن يتحلى المتقاعد بابتسامة تعلو
محياه وبسعة الصدر عند التعامل مع زوجته شريكة حياته التي شاركته هموم الحياة وأن
يكون لطيف المعشر معها عرفاناً منه بدورها في تربية الأبناء.
ما أجمل أن يخصص المتقاعد وقتاً للسؤال عن
جيرانه وزيارة المريض منهم ومشاركة أفراحهم وأتراحهم.
هناك الكثير من الأعمال يمكن أن يقوم بها
المتقاعد إذا أحسن استغلال وقته بما يعود عليه بالنفع في دنياه وأخرته. يجب أن لا
يستسلم ويتقاعد عن الحياة كما تقاعد عن العمل. وقد ورد عن الإمام علي كرم الله
وجهه (أعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا وأعمل لأخرتك كأنك تموت غدا).