بقلم: الدكتور عمر
مقدادي
تعدّ شهادة الثانوية العامة الأردنية أحد
نتاجات النظام التربوي الأردني التي نفخر بسمعتها على مستوى الوطن العربي والتي
تحظى بثقة المواطن، بالرغم من المشكلات
والصعوبات في امتحان شهادة الدراسة الثانوية بصيغته الحالية، والذي يتطلب
من وزارة التربية والتعليم إعادة النظر والارتقاء بامتحان شهادة الثانوية العامة
من خلال تطوير المنظومة الحالية؛ لتلبي حاجات التعليم من جهة وحاجات المجتمع من
جهة أخرى، ولكن المجتمع يدرك أن الوزارة عازمة على المضي قدمًا في ذلك بدءًا من
العام الدراسي المقبل 2018/2019م، بهدف الوصول إلى صيغ جديدة وتغيير قائم على أسس
علمية ومداخل فنية وتربوية مبنية على التخطيط الاستراتيجي والجودة الشاملة وإدارة
المعرفة والإبداع وكل ما تتطلبه الألفية الثالثة من استراتيجيات وجوانب تطويرية في
مجال القياس والتقويم التربوي، على الرغم من خشية مؤسستنا التربوية الرسمية أن
تواجه كثيرًا من التحديات التي تفرضها طبيعة التغيرات المتعلقة بهذا الامتحان،
لذلك عملت الوزارة على تهيئة مسبقة للمجتمع الأردني بشكل عام والمجتمع التربوي
بشكل خاص؛ لأنها تعي تمامًا أن التجارب التي كان هدفها النهوض بامتحان الثانوية
العامة خاصة في دول الجوار العربي كان مصيرها الفشل رغم جودتها، حيث إنها لم تراع
أبسط أبجديات التغيير المتمثل في التهيئة المسبقة، ومن وجهة نظر متوازنة نؤكد
أهمية مطلب أن يقوم الإعلام بكل وسائله بدور محوري في التوعية والتوجيه والتوثيق
ومصداقية الخبر فيما يتعلق بالتوجيهي وفق المعايير المهنية والإعلامية.
يجرى امتحان شهادة الدراسة الثانوية
العامة حاليًا على دورتين سنويًا لأغراض عديدة في مقدمتها قياس أداء الطلبة
التحصيلي، والذي يواجه بعض التحديات منها كون الامتحان يركز على الجانب
التذكريالاستظهاري للمعلومات المقرة في المباحث الدراسية، ويغفل قياس المهارات
والقيم والاتجاهات التعلمية، وهذا الامتحان مقياس معرفي ليس من أجل تقويم العملية
التربوية وتحسين العملية التعليمية التعلمية، والاعتماد عليها في القرارات
التربوية وغيرها، فلابد من تطويره ليأخذ بالمعايير التربوية الحديثة ومنها ما
يتعلق بالقياس والتقويم التربوي المعتمد على الأسس والقواعد الفاعلة، كما أن عدد
المباحث الدراسية التي يتقدم بها الطلبة كبير مما يتطلب تطوير امتحان الثانوية
العامة وإعادة النظر في الخطة الدراسية وعدد المباحث الدراسية المضمنة في هذه
الخطة للتخفيف على الطلبة، بالإضافة إلى تطوير آلية إجراء الامتحان، وفي ضوء
الواقع التربوي وحاجات التعليم والمجتمع الأردني
نعتقد بأهمية الملاحظات المنهجية
الآتية:
أولاً: - إن إصلاح التوجيهي، وخاصة ما يتعلق
بالمشكلة الأكبر وهي رسوب ما يزيد على
الثمانين ألف طالب وطالبة سنوياً، فإنه يتم من خلال إصلاح منظومة التعليم بشكل
شامل وخطة عمل زمنية تبدأ من الصفوف الثلاثة الأساسية وتنتهي بالصف الثاني
عشر(التوجيهي)، مرورًا بمحطات تقويمية لقياس أداء الطلبة وتقويم الخطة وتعديلها
وفق المؤشرات، مع ضرورة استمرار تطوير البنية التحتية وإصلاح عناصر العملية التعليمية
والبيئة التعليمية والتنظيمية لضبط جودة مخرجات التعليم.
ثانيًا: تقرر عقد امتحان التوجيهي مرة
واحدة في نهاية العام الدراسي(دورة واحدة) بدءًا من العام الدراسي 2018/2019م، ولعل من الأفضل
الإبقاء على دورتين (فصلين)، لتخفيف الضغط النفسي وإتاحة الفرصة لتعديل ما تم
الإخفاق به أو التقصير فيه في الفصل السابق، فمعظم الطلبة يستفيدون من خبراتهم في
امتحان الفصل الأول ويتداركون الثغرات التي صاحبته، مما يمكنهم من رفع علامتهم في المبحث والمجموع العام ، كما تبين
المؤشرات بأن معظم الطلبة تمكنوا من رفع علاماتهم في الفصل الثاني مقارنة بالفصل
الدراسي الأول، وهذا سيعمل على زيادة نسبة النجاح، وكذلك فإن الأعباء التي تتحملها
الوزارة والمؤسسات المعنية ستبقى ما دام هناك فرصة ثانية لعقد دورة في منتصف نفس
العام الدراسي، كما أن الوزارة سبق أن طبقت نظام الامتحان نهاية العام الدراسي (
دورة واحدة) ولم يكتب لهذه التجربة النجاح.
ثالثًا: - تصميم الخطة الدراسية الجديدة
للصف الثاني عشر تعتمد عدد المباحث التي تدخل في مجموع علامات الطالب وعددها (7)،
دون الإمعان في مضمون الكتب المدرسية وأهمية هذه المباحث في العملية التعليمية
التعلمية وأهميتها في مجال التخصص الأدبي أو العلمي أو الفرع المهني، وهذا يتناقض
مع فلسفة التطوير والإصلاح وتحسين مخرجات التعليم
وتطوير الموارد البشرية.
رابعًا: - إن الخطة الدراسية الجديدة
ووجود المباحث الاختيارية الثلاثة لطلبة العلمي والأدبي وقرار تخفيض علامة النجاح
في المبحث، والاعتماد على مجموع العلامات، وتعدد خيارات الطلبة، سيضاعف من إشكالية
مدخلات التعليم الجامعي بتخصصاته المختلفة والبناء المعرفي للطلبة والاتصال الرأسي
للمهارات العلمية ومن ثمّ ينعكس على مخرجات التعليم الجامعي، وسنجد أنفسنا أمام
المزيد من التراجع في مستوى جامعاتنا بدلاً من الارتقاء بها وتحسين مخرجاتها.
خامسًا: - إن وجود مباحث اختيارية سيسبب
الارتباك لدى الطلبة من حيث اختيارهم للمباحث الاختيارية ومدى ارتباطها بالتخصص
الجامعي الذي سيقبل الطالب به، لعدم معرفتهم بالمعدل الذي سيحصلون عليه في امتحان
الثانوية العامة، وأسس القبول في الجامعات، مما يتيح فرصًا أقل ومحددة في التعليم
الجامعي لكل طالب، وسيسبب أيضًا صعوبة في الميدان التربوي في الجوانب الإدارية
وعملية تقسيم الطلبة إلى الشعب والصفوف وللمعلمين في العملية التعليمية، مما يؤدي
إلى أن الاختيار ستحدده المدرسة وليس الطالب.
سادسًا: - سيصبح لشهادة التوجيهي قيمة
أقل في الجوانب الأكاديمية و التربوية في ظل قيام وزارة التربية بتخفيض علامة
النجاح في المباحث لشهادة الدراسة الثانوية العامة وتقليل عدد المباحث الداخلة في
معدل الطالب والاعتماد على مجموع العلامات المتساوي لها، والذي يتناقض مع مبدأ
الأوزان النسبية للمباحث الدراسية في الخطط الدراسية.
سابعًا: - إذا كانت الوزارة ترى أن بعض
المواد التي يدرسها الطالب في الثانوية العامة، ليست مرتبطة بتخصصه في الجامعة،
فيمكن تجاوز هذه النقطة ومعالجتها من خلال إعادة النظر في المواد التي يتم تدريسها
وتعديل نتاجاتها ومحتوى هذه المواد الدراسية، ومعالجة ذلك من خلال تطوير المناهج
وهو الأمر المتبع في كثير من دول العالم، لا أن يتم إلغاء الرسوب في هذه المواد أو
عدّها اختيارية أو بنجاح مدرسي، مثل مبحث علوم الحاسوب لطلبة الفرع العلمي في الخطة
الدراسية وفي امتحان الثانوية العامة.
ثامنًا: - إن تعديل الخطة الدراسية
للمرحلة الثانوية في الفروع المختلفة سنويًا ، يؤدي إلى عدم استقرار النظام
التعليمي وزيادة الأعباء على الوزارة وعدم تكافؤ الفرص التعليمية باختلاف الخطط
الدراسية في كل عام ومتطلبات تطبيقها، كما أن ما تقوم به الوزارة من إتخاذ قرارات
بهذا الحجم ودون دراسات مسبقة أو خطة شمولية أو حتى طرح هذه القضية للنقاش على
مستوى الخبراء التربويين والمختصين، تدلل على أننا ما نزال نخضع لسياسة الوزير
وليس سياسة الوزارة، وأننا أبعد ما نكون عن الخطط والاستراتيجيات الناظمة للعمل
المؤسسيّ.
تاسعًا: - إن الخطط الدراسية
الجديدة والتعليمات، ستعزز الطبقية في
التعليم الجامعي، فالطالب الأقدر ماليًا ستكون لديه فرصه أكبر في القبول الجامعي
سواء في الجامعات الرسمية (عبر الموازي والدولي) أو في الجامعات الخاصة (عبر
القبول المباشر). لتصبح جامعاتنا الأقدر ماليًا وليس الأكفأ دراسيًا.
عاشرًا: - لعل المستفيد الأكبر من قرار
تخفيض علامة النجاح في المبحث، والخطط الدراسية الجديدة للعام 2018/2019م، هو
الجامعات الخاصة التي لحقها ضرر كبير نتيجة حجم الرسوب في التوجيهي في السنوات
الأخيرة، وجاء هذا القرار لينعش “سوق” هذه الجامعات وليفتح باب القبول فيها على
مصراعيه، دون أدنى حد من الأسس الأكاديمية والعلمية للقبول الجامعي.
الحادي عشر: - أما فيما يتعلق بالمنهجية
التقليدية المتبعة للتحضير للامتحان وما يتطلبه من إعداد للقاعات ولجان المراقبة
والمتابعة والتصحيح والفرز، وما تتسم به من الهدر التربوي والتي يمكن معالجتها
بطرق فنية فاعلة وفق آليات عمل فنية، وهنا لابد من تأكيد أهمية حوسبة امتحان الثانوية العامة، وأن تكون منهجية
امتحانات الثانوية العامة معتمدة على مجموعة من وسائل التقييم الحديثة المستندة
إلى قواعد إجرائية واضحة ترقى إلى مستوى عالٍ من التطور والتقدم؛ ليتم تقيّيم أداء
الطالب بما ينسجم وطموحه وآماله وتحصيله الدراسي عبر مرجعيات تقويم أو بنوك أسئلة
مقننة تمامًا كما في اختبارات التوفل.
الثاني عشر:- أهمية وجود اختبارات للقبول
في الجامعات ليتم قبول الطالب وفقها بناء على محكات تختلف باختلاف الكفايات
المطلوبة لكل تخصص، بحيث تصبح معايير القبول مركبة من: (اختبار شهادة الدراسة
الثانوية العامة واختبار القبول في الجامعة)، بالإضافة إلى إمكانية تطبيق اختبار
القدرات واختبار الاتجاهات والميول وغيرها من المتطلبات، من هنا نجد أن المشكلة
التربوية القائمة لدينا في الأردن أن الثانوية العامة تحولت من غاية التعليم
والتعلّم إلى غاية اجتياز الامتحان.
واخيرًا فإن المتمعن بحزمة الإجراءات
التي ينظر إليها على أنها تطوير لبرنامج الثانوية العامة، يجد أنها تنحصر في البعد
الكمي، في حين غاب عنها البعد النوعي الجوهري غيابًا تامًا؛ لذا فإننا نؤمل أن تصل
وزارة التربية والتعليم إلى الجودة الشاملة خاصة في العناصر والجوانب المتعلقة
بامتحان الثانوية العامة والتي تفرضها المستجدات والضرورات الحتمية، سيرًا بخطوات
جادة نحو الأفكار التربوية التنويرية العميقة بكل صبر وثبات بحيث تلبي طموحات
التعليم والمجتمع، بعيدًا عن نقل الأفكار والتجارب في بلدان أخرى تختلف فيها خصائص
المجتمع وحاجاته عن بلدنا، وبعيدًا عن كل السلبيات التي نعيشها كل عام ونتحمل جميعًا تبعاتها، وثقتنا بوزارة التربية
والتعليم ثقة عالية بأن تعمل على ذلك .
حمى الله هذا البلد وشعبه وأدامه واحة
أمن وأمان، وهيأ له من أهله من يحرصون على رفعته وتطوره وصون أمنه.