بقلم: د. عزت جرادات
يمكن القول أن الأمة العربية تواجه أو تمر في مأزق عسير،
حيث التعامل السلبي مع الأمر الواقع، أو التطلّع إلى تحوّلِ تاريخي، ففي المنطقة
لا يُرى إلا ثلاثة مشروعات: أولها صهيوني استيطاني توسعي، والثاني إيراني مذهبي
سياسي، والثالث تركي اقتصادي، ويغيب عنده أو عن المنطقة وجود مشروع عربي تلتقي
عنده الأمة العربية، ويكون على مستوى تحديات المشروعات الثلاثة لقيادة المنطقة أو
الهيمنة عليها بأهدافها.
وعودة إلى المأزق العربي، حيث عدد من الأقطار العربية
تستنزف إمكاناتها بالحروب الداخلية والإرهابية، ونزاعات ثنائية تلقي بأوزارها على
مجتمعاتها، ومحاور تتضارب مصالحها، وهي جميعها من العوامل التي تلح على التفكير في
كيفية الخروج من المأزق، ذلك أن الوضع الراهن من شأنه أن يؤدي إلى فقدان المستقبل
الذي يفتقد ذلك المشروع النهضوي العربي.
ويمكن القول أيضاً، أن الأنماط والأساليب التقليدية التي
اتبعتها المنطقة العربية، ومازالت، في إيجاد ذلك المشروع النهضوي لم تعد مؤهلة أو
قادرة على الخروج من المأزق، فهي تتعامل معه بموروثه التاريخي وما حمله من أعباء
وظروف سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة ومتضاربة، وثمة أسلوب واحد لم يجد طريقه
أو لم يأخذ مكانه بين تلك الأساليب، وهو نهج التفكير العلمي والإبداعي الذي لا
يعتمد على فكر فردي في عالم سريع التغيّر تؤثر فيه المعطيات التكنولوجية ومقومات
العولمة الفكرية بشكل خاص، فقد اعتمدت المجتمعات المعاصرة نموذجاً آخر، يتمثل بما
يسمى (مركز التفكير) أو (خلية التفكير) كترجمة لعبارة (ثنك تانك) (Think-Tank) وذلك على مستوى وطني
أو قومي أو إقليمي أو عالمي، لتقديم حلول أو وضع سياسات أو استراتيجيات نهضوية
شاملة أو فرعية من خلال دراسات تتمتع باستقلالية تامة ومصداقية عالية، وشهدت فترة
ظهور (العولمة) انتشاراً واسعاً لهذا النوع من (مراكز التفكير)، فقد بلغ عددها
(6800) مركز، وحسب إحصائية دولية صادرة عن منظمة الأمم المتحدة عام (1980م)، وعني
معظمها بالقضايا الدولية والأمنية والسياسات الخارجية من خلال بحوث مشتركة ما بين
المراكز المحلية والإقليمية والعالمية، واتسع الاهتمام بهذه المراكز ليشمل مجموعات
المفكرين والمتخصصين والأحزاب الكبرى في الدول الديموقراطية، حيث تبادل السلطة
بناءً على البرامج التنافسية، ويعزى نجاح الدول في مشاريعها النهضوية إلى مدى
اعتمادها أسلوب أو نهج الاعتماد على (مراكز التفكير) التي انتشرت في مختلف مناطق
العالم، وقد صدرت إحصائية عام (2011) عن (مركز بنسلفانيا للدراسات) تبين أن (مراكز
التفكير) منتشرة في: (أمريكا الشمالية (29%)، وفي أوروبا (27%) وفي آسيا (18%)،
وفي أمريكا اللاتينية (11%) وفي أفريقيا (8%)، وفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
(6%)، وفي أوقيانوسيا (1%)، أما المنطقة العربية فيبلغ عدد (مراكز البحث والتطوير
والتفكير)، حسب تلك الإحصائية، (387) مركزاً، ولكنها لا تتمتع بدرجة عالية من
الاستقلالية، وبذلك تفتقد إلى أهم مقوماتها، وبالتالي إلى قبول نتائج دراساتها.
وأخيراً، إذا ما أريد العمل على إيجاد ذلك المشروع (العربي
النهضوي المستقبلي) فإن إيجاد (مراكز التفكير المستقلة) في المجتمعات العربية،
وبمبادرات من المتخصصين والمفكرين والمثقفين، وبدعم من المؤسسات المجتمعية
المستقلة، هي الخطوة الأولى للتصدي (للخروج من المأزق) الذي تمر فيه الأمة،
ومسابقة الزمن في رسم ذلك المشروع للأجيال المستقبلية.