د.رحيل محمد غرايبة
كشف قانون الانتخاب بما لا يدع مجالاً للشك
حقيقة المأزق السياسي الذي يعيشه مجتمعنا الأردني بشكلٍ خاص ومجتمعاتنا العربية بشكلٍ
عام، والذي يتمثل بانعدام وجود أحزاب سياسية حقيقية تمثل الشعوب تمثيلاً سياسيّاً صحيحاً
ومكتملاً من كل الوجوه، مما يجعل الانتخابات فرزاً عشائرياً وجهوياً ودينياً وعرقياً
بامتياز، ولم يخرج التمثيل عن هذه الاقانيم مهما حاولنا تجميل الصورة، ومهما نحاول
إعادة قراءة المشهد بطريقة مختلفة، أو بروح إيجابية مفرطة بالتفاؤل.
الناس لا يقرأون البرامج الانتخابية ولا
يقفون كثيراً عن المقولات والتحليلات التي تصدر عن المرشحين، وإذا تم استخدامها فيكون
ذلك من باب التجميل وإدخال بعض التحسينات التي لا تقدم ولا تؤخر في النتيجة بمجملها
إلّا في بعض الحالات الفردية الشاذة التي لا تصلح للقياس ولا تصلح للتعميم.
هناك من نجح وحصل على أعلى الأصوات في بعض
الدوائر، وربما في العاصمة، وهو لا يملك خطاباً سياسياً ولا اجتماعياً ولا اقتصادياً،
وليس له تاريخ في النضال الحزبي أو غير الحزبي، وليس له كتاب ولا قصيدة ولا نثر، ولا
يملك حضوراً من أي نوع، ومع ذلك سبق المخضرمين، وهناك من فاز وفقاً لاجماع عشائري وان
لم يكن له سابقة في العمل السياسي، وبعضهم استطاع القيام بتحشيد ديني ما أو بوجه من
الوجوه، وبعضهم جاء بالصدفة العابرة، وإن كانت بقدر مقدور في مفهوم الغيب، ويستطيع
الدارس والباحث أن يحلل الخريطة الانتخابية وفقاً لهذه المعايير، وما ينبغي التوافق
عليه في هذه الجزئية أن حالة الفرز الانتخابي هي صورة معبرة عن حالة الفرز الاجتماعي
عبر تجلياتها المتعددة التي تعتمد بصورة إجمالية على استثارة العواطف وتجييشها وتعبئة
الجماهير بعيداً عن منطق البرامجية بكل تأكيد.
قانون الانتخابات سواء كان جيداً ودون مثالب
وسلبيات، أو كان غير ذلك، فلن تتغير النتيجة كثيراً، وإذا حدثت مفاضلة بين المرشحين
فلن تتعدى بعض الصفات الشخصية القائمة على بعض المظاهر الخلقية من حيث حلاوة اللسان
والتواضع وكرم ذات اليد، والاستعاضة أحياناً عن كل ذلك بجيب منفوخ يعبر عن الملاءة
المالية.
يقول أحد وزراء الحكومة السياسيين سوف تبقى
المشكلة قائمة وموجودة ما زالت الساحة السياسية خالية من الأحزاب وما زلنا لا نملك
أحزاباً حقيقية؛ وهنا المأزق، فنحن نملك (50) حزباً، والعدد في تزايد مستمر، ولكنها
ليست موجودة ونقول ليس لدينا أحزاب، حيث أن الأحزاب ليست بالعدد، وليست بالأسماء وليست
بالأشخاص أيضاً، وإنما بالحضور الشعبي والنيابي في وقت واحد.
ما ينبغي الاعتراف به بلا مواربة أنه لا
يمكن أن توجد ديمقراطية بغير أحزاب، ولا يمكن إيجاد حكومة برلمانية بلا أحزاب، ولا
يمكن إيجاد كتل برلمانية بلا أحزاب وبرامج، هذه حقيقة لا يمكن التغافل عنها، فكل أمم
الأرض وصلت إلى تجربة الأحزاب السياسية من أجل بناء ديمقراطياتها، ونحن لسنا بحاجة
إلى اختراع العجلة من جديد، فإذا أردنا حياة ديمقراطية لا بد من بناء الحالة الحزبية،
وبناء الحالة الحزبية لا يكون بالوعظ ولا بالترخيص الشكلي، وإنما بالتوافق على إجراء
الانتخابات وفق منظور حزبي، ولن توجد الأحزاب بغير ذلك.
سوف يقال هذا مخالف للدستور، وسوف يقال
هذا يصادم الرغبة الشعبية بوجود الأحزاب، لأنها لا تريد الانتماء للأحزاب، فإذا أردنا
الاستسلام لهذه المقولة فما علينا إلّا أن نغير اسم البرلمان إلى مجلس العشائر الأردنية
(لوجيرغا) على طريقة افغانستان، وأن يتم تقسيم المقاعد وتفصيل المقاعد بناءً على ذلك
واعتماد مبدأ المحاصصة بشكل دستوري قانوني معترف به، وبغير ذلك نحن نمارس التناقض بكل
معانيه، ونمارس الضحك المتغابي على أنفسنا ويشكل ذلك مأزقاً سياسياً يحتاج إلى مصارحة
جريئة ومعالجة جراحية عميقة.
عن الدستور