بقلم: د. اسعد عبد الرحمن
في إسرائيل، ما زالت المواقف جراء مواجهات "يوم الأرض" الممتدة حتى ذكرى النكبة تنقسم إلى عدة تيارات، أبرزها مواقف السياسيين سواء أكانوا أعضاء في حكومة الائتلاف اليمينية أو المعارضة، والتي تؤيد بمجملها فظائع جيش الاحتلال. فمثلا، أشاد كل من وزير "الدفاع" (أفيغدور ليبرمان) ورئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو) ورئيس حزب العمل وتحالف "المعسكر الصهيوني" (آفي غباي) بتصرف جيش الاحتلال. وقال (ليبرمان) مهددا: "إذا حاول الفلسطينيون إثارة الاستفزازات والإضرار بسيادة إسرائيل أو إذا حاولوا انتهاك أمن إسرائيل، ستكون هناك استجابة قوية وقوية جدا وحازمة من جانب قواتنا". أما (نتنياهو) فقد توعد غزة، وقال: "لن نسمح لأحد على حدود قطاع غزة القريبة من هنا للغاية، أن يمس بنا، نحن نمس بهم". في حين أعلن "المعارض"!!! (غباي) إن "الجيش أظهر العزم والحكم السليم وأوجد ردعاً في مقابل استفزازات حركة حماس". ومن جهته، أعلن الناطق باسم جيش الاحتلال (رونين مانليس): "سيتم الرد في عمق غزة، للحيلولة دون تحول هذه الاحتجاجات إلى مظاهرات أسبوعية". نختم هذه "الجوقة" بالحاخام (اليعيزر كشتئيل) رئيس المدرسة الدينية لخريجي الجيش الذي قال: "حتى لو لم يطلقوا علينا رصاصة واحدة، حتى لو أن سكان غزة كانوا طوال الوقت يقدمون لنا الورود فقط مع رسائل محبة ورسومات قلوب، لكان لزاما علينا شن حرب في أيام السبت من أجل احتلال أرض إسرائيل"!!!
التيار الثاني، ظهور دعوات إسرائيلية لجنود الاحتلال لعدم الامتثال لقرار الجيش الصهيوني باستخدام النيران الحية، بل إن بعضهم تهكم على الزعم المتكرر للجيش باعتباره "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"، خاصة مع ظهور تصوير الفيديو الذي نشر لعملية قنص شاب فلسطيني قرب السياج المحيط بغزة. بل إن الجنرال احتياط (غيورا آيلاند) سخر قائلا: "فرحة الجنود بعد إصابة الشاب جعلتني أشعر بالعار. من يدعي أن الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية في العالم، عليه إثبات ذلك. من الذي أجرى مقارنة بين جيوش العالم ليقرر ذلك؟!". وقد نشرت منظمة "بتسيلم" (مركز المعلومات الإسرائيلي بشأن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة)، إعلانات في الصحف الإسرائيلية الكبرى خاطبت فيها الجنود قائلة إنهم "ملزمون من ناحية قانونية برفض أوامر إطلاق النار على متظاهرين فلسطينيين غير مسلحين، فهذه الأوامر تنطوي على تهديد مباشر للحياة". أما السياسي والإعلامي اليساري البارز (أوري أفنيري) فكتب يقول: "أتساءل ماذا كنت سأفعل اذا تلقيت أمرا باطلاق النار على أشخاص غير مسلحين. هل كنت سأرفض تنفيذ الامر؟ آمل أن تكون لديّ الشجاعة للقيام بذلك، لكن حتى لو لم تكن لدي هذه الشجاعة، كنت سأخطئ الهدف عمدا". ويضيف: "أشعر بالخجل من الجيش الذي أقسمت بالولاء له في يوم تأسيسه. الجيش الذي يطلق النار على جمهور أعزل ليس جيشاً، هو ميليشيا". أما اليسارية الليبرالية (عميرة هاس) فتتساءل: "ربما يأتي يوم يسأل فيه شباب إسرائيليون، ليس واحداً أو اثنين بل جيل كامل، الآباء كيف استطعتم ذلك؟ إلى أي درجة من الانحطاط للقطيعية برغبتنا، الشريرة والراضية عن نفسها، علينا أن نصلي قبل أن يهتز الشباب مما قام به الآباء والاجداد ويتوقفوا عن تقليدهم".
التيار الثالث، هو المتعقل المحذر من استمرار مسيرات العودة ومن مواصلة التعويل على قوة النار والذي يعتبرهما أمرا خطيرا لأنهما يستنزفان إسرائيل التي ستخرج خاسرة في معركة تتابعها وسائل الإعلام العالمية لحظة بلحظة. فمثلا، نبه المعلق السياسي (رونين بيرغمان) قائلا: "إن للقوة حدودا، وإن غزة تحتاج لتسوية ولحوار. حذار من استمرار التعامل بالقوة فقط مع المسيرات فهذا من شأنه أن يدفع نحو تصعيد جديد لدرجة حرب سيسدد ثمنها الطرفان". من جهته، قال العقيد احتياط (ليرون ليبمان): "استخدام النيران الحية من دون تفريق ضد مدنيين ممنوع بصورة مطلقة، حتى عندما يكون المقصود أشخاصاً يجتازون الحدود أو يهاجمون منشأة أمنية. هدف القانون هو الموازنة بين الحاجة العسكرية وبين الاعتبارات الإنسانية في القتال". من جانبه، كتب المعلق العسكري (يوآب ليمور): "مهمة القيادة السياسية أن تجد السبل لتهدئة حماس. وهذا يتطلب نشاطًا سياسيًا ودبلوماسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وهو غير قائم في هذه المرحلة. من الأفضل أن يخصص مجلس الوزراء وقتًا لهذا الموضوع– ليس للحلول التكتيكية، ولكن لمناقشات استراتيجية حقيقية – قبل أن تخرج الأحداث عن السيطرة وتجر الأطراف إلى تصعيد غير مرغوب فيه".
أما التيار الرابع، فقد تفهم وبرر للفلسطينيين حقهم بالخروج في مسيرات العودة. فالكاتب اليساري (جدعون ليفي) يقول: "كيف يمكن النظر إلى هؤلاء المتظاهرين وعدم رؤية كارثتهم التي هي من صنع إسرائيل في المقام الاول. كيف يمكن ازالة الاتهام عنا وأن نلقي بالمسؤولية على حماس، ولا تثيرنا للحظة رؤية دماء الابرياء التي سفكت على أيدي جنود الجيش". أما (يوسي بيلين) فكتب يقول: "استعداد آلاف عديدة للمخاطرة بحياتهم ليس شيئا بسيطا، فما بالك ان إسرائيل أيضاً لم تخترع وسائل كافية قادرة على استبدال القتل بالتحييد المؤقت. كان واضحاً أن تدهور شروط الحياة في غزة سيؤدي إلى الانفجار. سواء كان السبب للوضع الحالي هو حكم حماس في غزة أم دور إسرائيل". وفي افتتاحية لصحيفة "هآرتس": "أغلبية الذين يقفون في مواجهة الجيش ليسوا جنوداً ولا مخربين. هم مواطنون قرروا خوض نضال غير عنيف دفاعاً عن حريتهم. القتل الكثيف للمتظاهرين هو ليس فقط غير أخلاقي، بل يمكن أن يجرّ غزة وسائر المناطق المحتلة إلى مواجهة عنيفة ودموية. ومثل هذه المواجهة لن تساعد أحداً".