بقلم: د. عزت جرادات
عندما يؤكد تقرير البنك الدولي (2017) إن التعليم العربي في تراجع، مقارنة بالمناطق الإقليمية في العالم حسب تقسيمات البنك، فأن ذلك يمثل دعوة للنظم التربوية العربية لتأخذ الأمر بجدية، باعتباره هيئة دولية محايدة في مجال التعليم تحديداً، كما يتطلب الأمر إن تنهج النظم التربوية العربية نهجاً موضوعياً في إصلاح التعليم وتطويره، تخطيطاً ورسم سياسات، بالإضافة للتعرف على مواطن القوة، وعوامل الضعف والفرص المتاحة لمواجهة التحديات، واعتماد أساليب غير تقليدية بل إبداعية وتجديدية وتستفيد من التجارب العالمية الناجحة أو المبتكرة.
وقد تكون المناهج، تجديداً وتطويراً من أهم المداخل للإصلاح التربوي، فالانجازات الوطنية والخبرات المحلية، والكفاءات الأكاديمية في مجال المناهج على المستوى العربي غنية، وإن لم تحقق الطموحات التي تصبوا إليها الأقطار العربية، ذلك أن الأساليب التقليدية غير قادرة على تمكين النظم التربوية من إحداث نقلة نوعية في مجال المناهج، والتي يغلب على تجديها وتطويرها البطء في التغيير والنمطية التي لا تدرك الفجوة الكبيرة مابين واقع النظم التربوية ومناهجها وبين التجارب الإبداعية التجديدية في العديد من النظم التربوية المتقدمة التي تعتمد المرونة و(الدينامية) أو سرعة التطبيق والتي يمكن الإفادة من حيث وصلت، وتكييف تلك التجارب أو (توطينها) لتكون قابلة للتطبيق، الجزئي والتجريبي واللامركزي.
ومن ابرز التجارب المؤثرة في المناهج، توجيهها وجهة مستقبلية والتي أخذت طريقها في مدارس تجريبية في بلدان متقدمة، مستفيدة من (التسونامي التكنولوجي) المعاصر والمتجدد تلك التجربة التي اعتمدت ثلاثة اتجاهات في تصميم المناهج وتطبيقاتها، وتشمل هذه المنظومة من الاتجاهات على ما يلي:
أولاً) الرقمية: وتقوم على بناء العلاقة ما بين المعلم والمتعلم عبر التواصل السريع للتعرّف على المعلومات في أحدث حالاتها، فالمواقع التواصلية التي يوفرها النظام التعليمي تؤدي هذا الدور (بأسهل الطرق وأسرعها واقصرها)، وتّمكن المتعلم من التفاعل مع هذه المعلومات حسب محورين: حاجاته واهتماماته. ولا تعتبر الكتب المدرسية وغير المدرسية هي (المصادر الوحيدة أو الرئيسية لمحتوى المناهج).
ثانياً) الاهتمامات ودوافعها: إن اقصر الطرق وأفضلها لتحفيز المتعلم تتمثل في إثارة اهتماماته لدرجة إيجاد علاقة عاطفية ما بينه وبين تلك الاهتمامات، وما يتم تعلمه خلال هذا الاهتمام العاطفي سيبقى متجذراً لديه، معرفة وسلوكاً. إن هذا التوجه المبني على الدافع الفردي للتعلم والاستخدام الذكي لتكنولوجيا التعلّم والتعليم، ينقل العملية التربوية من نمطها التقليدي إلى أساليب إبداعية تتحدى قدرات المتعلم ودافعية التعلم لديه.
ثالثا) المهارات:
من أهم ما تهدف إليه هذه التوجهات المستقبلية في المناهج يتمثل بنقل التعليم والتعلّم من العالم النظري إلى عالم الواقع والجاهزية المستقبلية وهذا يتطلب مهارات الإبداع، والتفكير الناقد والاتصال وروح العمل الجمعي، وذلك أنها مهارات عملية حياتية مستقبلية لا تقتصر على (التعلّم من الآخرين) بل (التعلم مع الآخرين) بدافع عاطفي قوي للمعرفة.
لقد تميزت هذه التجربة التجديدية في المناهج باعتماد عدد من الآليات منها: التشاركية مابين المتعلّم والمعلم والخبير لاكتشاف حاجات المتعلم واهتماماته، وتمكين المتعلم من الوصول إلى المحتوى الذي يريده ومن المصدر الصحيح، والتركيز على المهارات وآليات إكسابها للمتعلم. وكان أهم ما أدت إليه هذه التجربة في إعداد المنهج المستقبلي الاتجاه، إعادة كتابة الكتاب المدرسي وإخراجه بأنماط جديدة للتعامل مع (المنهج الرقمي)، ودمقرطة التعليم (أو جعله ديموقراطياً) ومتاحاً للفقراء والأغنياء من المتعلمين وهو حق للجميع لتعليم نوعي جيد.