بقلم: د. صبحي غندور
هناك جملة قضايا تتراكم الآن، قد تجعل من شهري مايو ويونيو، فترة حاسمة وساخنة لعموم المنطقة العربية. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب، أعطى لنفسه ولحلفائه الأوروبيين مهلة حتى 12 مايو، لتعديل نصوص الاتفاق الدولي مع إيران، مهدداً بأنه سيخرج الولايات المتحدة من هذا الاتفاق، إذا لم يتمّ الأخذ بالتعديلات التي تطالب بها واشنطن. أيضاً، أشار الرئيس ترامب إلى إمكانية سفره للقدس منتصف شهر مايو، لافتتاح السفارة الأميركية فيها، وهو الأمر الذي عارضته معظم دول العالم.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تحدث أكثر من مصدر مسؤول أميركي وروسي، عن احتمال قيام الولايات المتحدة بضربات عسكرية داخل سوريا ضد الجيش السوري وحلفائه، كما تزايدت التهديدات الإسرائيلية في لبنان وسوريا.
أيضاً، ربما لا تكون صدفة، أن «البيت الأبيض» قد اختار شهر مايو للقاء مرتقب بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. وهو اللقاء الذي سيأخذ حتماً الاهتمام الدولي والإعلامي، على حساب ما قد يحدث من تطورات عسكرية على الأراضي السورية تحديداً.
إنّ ترامب قد هيأ المناخ الآن لهذا التصعيد المحتمل في الشرق الأوسط، والذي يريد الرئيس الأميركي أن يجعله متزامناً مع تخفيف التصعيد في الشرق الأقصى، حيث الأزمة مع كوريا الشمالية، وهذا قد يجعله بنظر بعض الأميركيين «بطل سلام» في الشرق الأقصى، و«بطل حرب» في الشرق الأوسط!. ترامب يراهن أيضاً على أن التصعيد ضد إيران، سيلقى تجاوباً من «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» معاً، وهو أقال وزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي كان يعارض إلغاء الاتفاق مع إيران، واستبدله بمايك بومبيو.
وما يجعل احتمالات التصعيد في الشرق الأوسط ممكنة الآن، هو حرص الرئيس الأميركي على نقل الاهتمام الداخلي الأميركي من مسألة التحقيقات القانونية حول دعم موسكو لحملته الانتخابية، إلى قضايا خارجية ساخنة (سِلماً أم حرباً). وسيحاول ترامب إقناع حزبه الجمهوري، بأن أجندته الخارجية هذه، ستساعد «الجمهوريين» على الفوز في مقاعد الكونغرس بالانتخابات القادمة في نوفمبر، وستطوي صفحة التحقيقات حول الدور الروسي في الانتخابات، إذ من المعروف عن الأميركيين، أنهم يقفون خلف رئيسهم حينما يخوض حرباً في أي مكان، لأن ذلك يعني وقوفاً خلف جيشهم المكّون من أبناء عائلات في عموم الولايات الأميركية.
إنّ «الحزب الجمهوري»، سيضع نفسه في أزمة سياسية وشعبية كبيرة، إذا ما واصل دعمه لترامب في موقع الرئاسة، خاصّةً أنّ الانتخابات «النصفية» القادمة في شهر نوفمبر، ستقرّر مصير كل أعضاء مجلس النواب، وثلث عدد أعضاء مجلس الشيوخ، وبأنّ ما حدث من انتخابات فرعية مؤخراً في ولاية بنسلفانيا، وقبلها في ولايات آلاباما وفيرجينيا ونيوجرسي، لم يكن لصالح «الجمهوريين» بسبب ترامب وسياساته.
ولأن ترامب يُدرك مخاطر ما يحدث معه وحوله، في الإدارة وفي الحزب الجمهوري وفي التحقيقات، فإنّه يُعزّز الآن اعتماده على قوى فاعلة جداً في الولايات المتحدة. فهو يقوم بعقد تجمعات شعبية من وسط قاعدته الانتخابية، التي هي مزيج من الإنجيليين المحافظين (منهم نائبه مايك بنس)، والجماعات العنصرية الحاقدة على الأفارقة واللاتينيين والمسلمين، إضافة إلى ضمان ترامب أيضاً، لدعم المؤسّسة العسكرية (البنتاغون)، حيث زاد في ميزانيتها مبالغ ضخمة، حتّى وصلت إلى حوالي 700 مليار دولار، رغم العجز الكبير في الميزانية الأميركية، والتخفيض الذي حصل في مشروعات مهمّة صحّية واجتماعية وتربوية. أيضاً، حصل ترامب على دعم قوّتين ضاغطتين في الحياة السياسية الأميركية وفي الكونغرس، وهما «لوبي الأسلحة» و«اللوبي الإسرائيلي»، حيث لكليهما تأثيرات كبيرة في الجمهوريين والديمقراطيين معاً، إضافةً إلى عددٍ كبيرٍ من الشركات والمصانع الكبرى التي تستفيد الآن من برامج وسياسات ترامب الداخلية والخارجية.
لقد حاول ترامب التصعيد مع كوريا الشمالية في العام الماضي، لكن تعذّر إشعال الفتيل هناك، لاعتبارات أميركية ودولية، أيضاً، فإنّ الجبهة الإسرائيلية مع سوريا ولبنان، هي من المواقع المؤهّلة لتطورات عسكرية كبيرة، والتي قد يتمّ استخدامها لتغيير مسار الأزمات المشتعلة حالياً في المشرق العربي، وحيث يُحقّق فيها خصوم أميركا تقدّماً على الأرض، خاصة بعد التهديد الأميركي المتكرر، بإمكانية القيام بضربات عسكرية في سوريا ضد الحكم السوري وحلفائه.
وقد تكون مراهنة ترامب، هي أيضاً على عقد مفاوضات عربية/إسرائيلية، تتزامن مع تحركه الدبلوماسي بشأن كوريا الشمالية، يتمّ التوافق فيها على ما أسماه ترامب بـ «صفقة القرن»، وما قد ينتج عنها من خلافات عميقة وصراعات داخل المنطقة، كالتي حدثت بعد توقيع معاهدات «كامب ديفيد» في نهاية عقد السبعينيات، عِلماً بأنّ ترامب يتبنى بشكل كامل، سياسة نتنياهو تجاه القضية الفلسطينية، وفي الصراعات الإقليمية عموماً!. فالمواقف المتناقضة لترامب تجاه جملة من القضايا والعلاقات الدولية، لم تكن أبداً كذلك تجاه إسرائيل، ومصالح حكومة نتنياهو تحديداً.
فأين كانت «المصالح القومية الأميركية» في قرار ترامب بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وبنقل السفارة الأميركية إليها، وهو قرار يتناقض مع قرارات دولية صادرة عن «مجلس الأمن»، ومع سياسة أميركية، سار عليها كل من سبقه من رؤساء أميركيين؟!. وأين المصلحة الأميركية في معاقبة الشعب الفلسطيني والملايين من اللاجئين الذين يعتمدون على مساعدة الوكالة الدولية (الأونروا)، وبما يخالف أيضاً سياسة دول العالم كلّه؟!، ترامب تحدّث عن حجم المساعدات الأميركية للفلسطينيين، ولم يرَ مليارات الدولارات التي تقدّمها واشنطن لتل أبيب لعقود طويلة، والتي لم يتمّ وقفها أو تخفيضها، رغم خلافات عديدة حدثت بين الطرفين، ومع أكثر من إدارة أميركية!
قد تشهد المنطقة العربية قريباً، تطورات كبيرة على المستويين السياسي والأمني، وقد تكون هذه المنطقة، من جديد، ساحة صراعات دولية وإقليمية، وتجارب لأجندات أميركية تستهدف عموم منطقة «الشرق الأوسط»، لكن أيضاً ستظهر من جديد، مخاطر سياسات أميركية استخدمت في السابق، ولم تكن مرجعيتها «المصالح القومية الأميركية»، كما حدث في حقبة جورج بوش الابن، ودفعت أميركا والمنطقة العربية، ثمناً باهظاً لهذه السياسات. يبدو أن دروس التاريخ لم تعد لها أي قيمة في عصرنا الراهن.
* مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن