بقلم: المهدى احميد
القنوات الفضائية المحلية والعربية ما هي الإ شعارات براقة ، تبصر الأنظار و تأخذ بعقول متابعيها وأفئدتهم نحو الأخبار الساخنة ، والتحليلات العميقة والمشبوه في محاولة للتأثير على هذه العقول والتحكم بها ، وذلك لتصدير بضاعة فكرية معلبة. فمن يبحث عن الحقيقة في بعض وسائل الإعلام العربية العامة أو الخاصة ، والتي تديرها الحكومات أو أشباه الحكومات ، كمن يبحث عن إبرة وسط أمواج متلاطمة تسير بسرعة كبيرة ، كما الأحداث التي شهدتها عواصف الربيع العربي بالمنطقة العربية تتلاطم فيما بينها ، ووسائل الإعلام التي تقوم بصنع الأزمات وتأجيجها بدل التهدئة وسط صراع المصالح والكل يتسابق حول السبق الصحافي والخبر العاجل ، صادقاً كان أم كاذباً حقيقياً أم ملفقاً ، حتى تصنع واقعاً كما تراه هي لا كما تراه الشعوب العربية .
فالأحداث والوقائع الإخبارية إن كانت في صالح الدولة الداعمة للقناة ، قامت الدولة بتقديم كل إمكانياتها للقناة لخدمة هذا الحدث ، والسياسي المحترف المحنك التابع لهذه الدولة لا يتحدث عن التضليل الإعلامي ويكتفي بعبارة " الأداء الإعلامي غير المنصف " ، وإن كان الحدث فيه صراع ضد سياستها الإعلامية وسياسة الدولة الداعمة لها عندها تقوم على التطنيش والتعتيم والتمييع والإهمال وقص ﺍﻟﻜﻼﻡ وحذفه ﻭﻓﺒﺮﻛﺘﻪ ﺿﻤﻦ أﺳﺎﻟﻴﺐ ﺧﺒﻴﺜﺔ ﻟﻠﺘﺪﻟﻴﺲ ﺍلإﻋﻼﻣﻲ ﻭﺍلكذب والافتراء والإشاعات ، وهو وإن دل على شيء فإنما يدل على خبث الدول الداعمة لهذه الفضائيات ، وعدم احترامها للجمهور المتلقي.
إن الحيادية والموضوعية والنزاهة أصبحت في متحف التاريخ ، وبين طيات الكتب الصفراء ، فلا الإعلام أصبح حراً ، ولا الكلمة أصبحت حقيقة ، إنما هي خطاب مؤدلج لمصالح متعددة ، بل والأنكى من ذلك أن إعلامنا التضليلي أصبح يقلد الإعلام الغربي المضلل هو الآخر بمصطلحاته المنقولة إلينا كالإرهاب والمتطرفين الإسلاميين حتى صارت الصورة النمطية عند الغربي بأن المسلم المقاوم هو الإرهابي الذي ينبغي أن يذهب إلى غوانتنامو. فالتضليل أصبح في انتقاء كلمات بعينها وتكرارها كثيراً على مسامع الجمهور، لكي تصبغ بصورة معينة تقوم على استبعاد الأحداث الجارية ، وهذه الأساليب أصبحت سياسة عامة عند معظم الفضائيات على قول القائل (اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس) ، فمِن نفخِ وتضخيمِ الأحداث إلى سياسة الاستبعاد والإقصاء أو التجريد من السياق ، حتى أصبح الجمهور في نظر القائمين على هذه الفضائيات مستهلكين وليسوا مشاركين في محاولة لتفريغ الإعلام من محتواه الاجتماعي التفاعلي ، وهذا يناقض ديمقراطية الاتصال التي نادى بها البعض في مشاركة الجمهور بصنع السياسة الإعلامية، وانتقل بعد ذلك التضليل الإعلامي إلى مستوى متطور عبر مخاطبة الوعي العقلي عند المتلقي العادي بطريقة خبيثة تجعله يصدق كل ما يقال أمامه. لذلك علينا تنمية وعي المتلقين بسلاح العلم والمعرفة والثقافة ، لكي يخرجوا من التخدير الإعلامي الذي يقعون فيه.
ولا بد من الوسطية في الطرح الإعلامي؛ فالوسطية لا تكون في الإسلام فقط ، بل في الإعلام ، والوعي الإعلامي ينبغي أن يكون السائد عند المتلقي ، فالإعلام سلاح ذو حدين ينشط عند الأزمات والحروب والنزاعات للتأثير على الجمهور المتلقي عبر تضليله وفق المصالح السياسية بأسلوب هادئ ناعم دون رقيب أو حسيب ، لذلك نحتاج إلى صحوة الضمير الإعلامي لطريقة تغطية النزاعات والأزمات.
أخيراً فإن التضليل الإعلامي أصبح ظاهرة تستحق الدراسة العلمية البحثية من قبل الجامعات ومراكز الأبحاث ، ودراستها بعقل واع ناقد .
وختاماً يبقي التساؤل دائماً مطروحا إلي متي حجم اليأس القابع في صدورنا وما أقبح شاشاتنا اليوم إلا الانكسارات والانهزامات ، والتي سال الدم على رأسها وطفح.
* كاتب ليبي