بقلم: د. عزت جرادات
اعتادت مختلف الدول أو معظمها التي تشارك في مؤتمرات تربوية دولية أن تقدم (تقاريراً وردية) عن التعليم وتقدمه ومنجزاته، كماً ونوعاً، ومنها دول منطقة (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) وهي التي تشمل الأقطار العربية، أما تقرير البنك الدولي لعام (2017) وعن تلك المنطقة تحديداً، فيؤكد أن نوعية التعليم قد تراجعت مقارنة بمناطق العالم الأخرى، حسب تقسيمات البنك الدولي، وتحتاج إلى إصلاح عاجل للتعامل مع حاجات مجتمعاتها المستقبلية، وبخاصة مواجهة معضلتيْ الفقر والبطالة ودورها في التنمية، الشاملة والبشرية، ويؤكد التقرير أن الوقت قد حان لكي ينتقل التركيز على التعليم واعتباره أولوية وطنية، فمن ناحية كمية، كان قد أعلن مؤتمر جومتيان – تايلاند- عام (1990) على التضامن الدولي لتعميم التعليم الابتدائي أو الأساسي في العالم عام (2000)، أي تحقيق ما نسبته (100%) من الفئة العمرية لهذه المرحلة، مع تحقيق الحد الأدنى النوعي لإكساب المتعلمين المهارات الأساسية للحياة، وعاد مؤتمر المتابعة الذي يضم: منظمة الأمم المتحدة، واليونسكو، والبنك الدولي، وجهات أخرى دولية، والذي عقد في داكار– السنغال عام (2000) ليمدد الفترة لتحقيق الهدف المذكور بحلول عام (2010)، ويبدو أن هذا الأمر لم يتحقق، وفي المنطقة العربية تحديداً، فالتقرير يشير إلى أن نسبة الأمية تصل إلى (33%) من السكان، أي ثلث السكان، في منطقة تعاني العنف وتداعيات الحرب والإرهاب، وهي جميعها تلقي بظلالها وشرّها على مبادرات الإصلاح في المجتمعات العربية، ومنها قطاع التعليم.
وحتى يتم النهوض بالتعليم، فإن وضعه على الأولويات الوطنية متطلب أساسي، باعتباره استثماراً في البشر من أجل بناء رأس مال بشري، والذي من شأنه أن يسهم في إيجاد الحلول للقضايا المجتمعية المزمنة، وبخاصة قضيتيْ الفقر والبطالة، وهما وجهان لعملة واحدة، فرأس المال البشري يتمثل بما يكتسبه المتعلمون من مهارات وقدرات على مستوى الأفراد، ومن كفايات وفعالية لدى المؤسسات لتحسين مستوى خدمات الحزمة الاجتماعية، والتي تشمل: التعليم، والرعاية الصحية، والحماية الاجتماعية بدرجات عالية الجودة، وهي خدمات يتعذر تحقيقها عشوائياً، وإنما يتم ذلك من خلال إستراتيجية وطنية ترتكز على التزام مجتمعي وسياسي لتمكين النظم التعليمية من أداء دورها في بناء القدرة على الاستمرارية، مع وضع الفرضيات التي تطرأ على المسيرة للتغلّب على أي عوائق طارئة، فإنهاء نظام الفترتين، وكذلك استخدام الأبنية المستأجرة للمدارس، كان من المقرر أن يتحقق بحلول عام (2000) ثم أمتدّ حتى عام (2010) بسبب الأحداث المفاجئة والتي ألقت عبئاً كمياً على النظام التعليمي من جهة، كما أثرت على خطط الارتقاء نحو جودة التعليم نوعياً من خلال التركيز على تعليم التفكير والتفكير الناقد، التفكير العلمي في حل المشكلات من جهة أخرى، ومع ذلك لا يمكن تجاهل المنجزات التي حققها النظام التعليمي الأردني في خططه التطويرية في المناهج وتدريب المعلمين والمشاركات في الاختبارات الدولية في مختلف المجالات العلمية والقرائية.
وعودة إلى تقرير البنك الدولي (2017)، فهو يشير إلى المجتمعات العربية، وقصورها في معالجة القضايا المتصلة بالتعليم، حيث: أن ثمة ما يقارب مليون أمي عربي، وتصل نسبة النساء إلى (60%)، وأن المستوى القرائي (إي امتلاك المهارات الأساسية الدائمة للقراءة) لا تتجاوز (70%) لدى المتعلمين، وأن العربي المعاصر يقرأ بمعدل أربع صفحات في العام (حسب مسح أجرته الأمم المتحدة في المنطقة)، وأن معاناة المرأة ما زالت في ازدياد في مجال الفرص التعليمية، وأن نسبة المتعلمين الذين يتطلعون إلى تحسين مستواهم العلمي تبلغ (8%). وعلى الرغم مما يعانيه الوطن العربي من أزمات تدمير به وحياة ضنكا، وتحديات سياسية، وإحباط مجتمعي، فإن أولوية التعليم هي التي تبعث الأمل لدى الأجيال الناشئة في عودة المجتمعات العربية إلى مسارها الرشيد.