نشر بتاريخ :
28/04/2025
توقيت عمان - القدس
12:17:35 PM
كشف فريق بحثي
دولي عن طبيعة ظاهرة غريبة تصيب الإنسان، حيث يفقد فجأة القدرة على التفكير أو
استحضار أي أفكار، وكأن عقله قد توقف عن العمل للحظات معدودة. ويطلق العلماء على
هذه الحالة اسم "الذهول الذهني" (Mind Blanking).
وقد أصبح
"الذهول الذهني" محور اهتمام متزايد للباحثين المتخصصين في علوم الأعصاب
والوعي، حيث أثبتت الدراسات الحديثة أنه ليس مجرد شعور عابر أو حالة من شرود
الذهن، بل هو ظاهرة حقيقية تحدث في الدماغ ولها خصائص فريدة ومستقلة.
وخلال لحظات
"الذهول الذهني"، لا يعاني الشخص من صعوبة في التركيز فحسب، بل يصل
الأمر إلى انقطاع تام في تدفق الأفكار بشكل مفاجئ، يصاحبه غالبًا شعور واضح
بالنعاس والتراخي الجسدي.
وما يزيد من
أهمية هذه الظاهرة هو تنوع تجلياتها بين الأفراد، حيث يعاني بعض الأشخاص من نوبات
"الذهول الذهني" لفترات تتراوح بين 5% إلى 20% من وقتهم الإجمالي في
المتوسط. كما تختلف التجربة الذاتية لهذه الحالة بشكل كبير من شخص لآخر، حيث يصفها
البعض كلحظات فراغ ذهني كامل وشامل، بينما يختبرها آخرون على أنها مجرد صعوبة
مؤقتة ومفاجئة في استحضار الأفكار أو تذكر المعلومات.
وقد قام فريق
بحثي مشترك من بلجيكا وفرنسا وأستراليا بإجراء مراجعة شاملة للدراسات السابقة التي
تناولت هذه الظاهرة الغامضة، وخلصوا إلى أن "الذهول الذهني" يجب أن
يُصنف رسميًا كحالة وعي مستقلة بذاتها، تشبه في بعض جوانبها حالات أخرى مثل شرود
الذهن، ولكنها تختلف عنها في جوانب أساسية أخرى.
وتكشف
الدراسات الحديثة التي تستخدم تقنيات تصوير الدماغ المتقدمة أن ظاهرة "الذهول
الذهني" ترتبط بتغيرات واضحة ومحددة في النشاط العصبي داخل الدماغ. فقبل
لحظات قليلة من حدوث نوبة الذهول الذهني، تظهر أنماط مميزة من النشاط الكهربائي في
مناطق الدماغ الأمامية والزمنية.
وعندما يحدث
"الذهول الذهني" الفعلي، ينخفض معدل ضربات القلب لدى الشخص ويتقلص حجم
بؤبؤ العين، كما تظهر موجات دماغية مميزة تشبه إلى حد كبير تلك التي يتم تسجيلها
أثناء النوم العميق. وقد دفع هذا الاكتشاف بعض العلماء إلى وصف هذه الحالة بأنها
نوع من "النوم الموضعي" الذي يصيب أجزاء معينة من الدماغ بشكل مؤقت،
بينما يبقى الشخص في حالة يقظة ظاهرية وسلوكية.
لكن المفارقة
العلمية تكمن في أن "الذهول الذهني" قد ينتج أيضًا عن فرط النشاط المفرط
في بعض مناطق الدماغ الخلفية، حيث يؤدي الإفراط في التفكير والتحليل إلى شلل مؤقت
في الوظائف الإدراكية وعجز مفاجئ عن توليد الأفكار. وهذه المفارقة العلمية تدفع
الباحثين للتساؤل الأساسي: هل "الذهول الذهني" هو في الأساس نتيجة لخمول
مفاجئ في نشاط الدماغ أم أنه ناتج عن نشاط عصبي زائد ومربك؟
ويوضح
الباحثون أن لظاهرة "الذهول الذهني" آثار سريرية مهمة، حيث تبين أنها
ترتبط بعدد من الاضطرابات النفسية والعصبية المعروفة. فعلى سبيل المثال، يعاني
الأطفال المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)
من نوبات "الذهول الذهني" بشكل متكرر أكثر من أقرانهم غير المصابين. كما
أن "الذهول الذهني" مدرج في الدليل التشخيصي للإضرابات النفسية كأحد
الأعراض المحتملة لاضطراب القلق العام، ويرتبط أيضًا بحالات طبية أخرى مثل السكتات
الدماغية وإصابات الرأس المؤثرة على وظائف الدماغ.
وفي محاولة
جادة لفهم هذه الظاهرة المعقدة والمتعددة الأوجه، يقترح الباحثون إطارًا تفسيريًا
جديدًا يعتبر "الذهول الذهني" ناتجًا عن تقلبات مفاجئة في مستويات
اليقظة الفسيولوجية داخل الدماغ. فحسب هذه النظرية الجديدة، عندما ينحرف مستوى
التنبيه والإثارة في الدماغ عن المعدل الطبيعي والمستقر - سواء بارتفاعه المفاجئ
أو انخفاضه الحاد - يصبح العقل أكثر عرضة لهذه النوبات العابرة من الصمت الذهني
المفاجئ.
ويشير
الباحثون في ختام دراستهم إلى أنه لا يُعرف حتى الآن المدة النموذجية لنوبات
"الذهول الذهني"، أو ما إذا كانت هناك أنواع مختلفة ومتميزة من هذه
الظاهرة.
وتكمن الأهمية
الحقيقية لهذه الدراسة في أنها تتحدى الفكرة التقليدية السائدة عن الوعي البشري
باعتباره تيارًا مستمرًا ومتدفقًا من الأفكار والعمليات الذهنية، وقد تمثل هذه
النتائج مفتاحًا جديدًا لفهم أعمق للطبيعة البشرية المعقدة وآليات عمل العقل البشري.
الحقيقة
الدولية - وكالات