القسم : مقالات مختاره
شيوخ ومواعظ للبيع!
نشر بتاريخ : 8/1/2017 11:29:00 AM
حلمي الاسمر

حلمي الأسمر

جاءتني هذا الصباح رسالة تعرض علي العرض التالي:
عطّر يومك بأعذب الأدعية بصوت الشيخ فلان الفلاني....
للاشتراك أرسل كذا الى كذا .. السعر 18قرشا/اليوم!!

الرسالة استفزتني على نحو استثنائي، وولدت لدي شعورا مخلوطا من الإهانة والحنق، والرغبة بارتكاب عمل مناف لسعة الصدر والحلم!

ليست هذه هي المرة التي تصلني رسالة مشابهة، لكن الاستفزاز «المميز» هذه المرة كان ناشئا عن الشعور العميق بخيبة الأمل من طيف واسع من المشايخ الذين أثبتت التجارب والامتحانات الحقيقية أنهم مجرد تجار دين، ومرتزقة، وليس من حقهم ان يعتلوا المنابر، أو منصات التعبير، لنشر الأخلاق والفضائل بين الناس، وهم أشد الناس إليها!

-2-
أولا/ انا -من حيث المبدأ- لا أطيق سماع اسم هذا الشيخ ولا غيره من شذاذ الآفاق المتربحين من الدين وبائعي الأدعية والمواعظ، فهم أقل شأنا ومكانة من أن يدلونا على عمل الخير، وهم أولى الناس بالنصح!

ثانيا/ من قال لبائع المشايخ هذا إنني عاجز عن التواصل مع ربي بصوتي وصمتي سرا وعلانية؟ من أي مبدأ نبعت شرعية بيع الأدعية والمواعظ على هذا النحو السخيف والمزري، والذي يلحق الأذى بمهنة الوعظ؟ ثم من قال إن «البني» آدم بحاجة لتوكيل شخص آخر كي يتواصل مع ربه، ويدعو له؟ بل من أعطى هذا الشيخ وأمثاله تفويضا بتمتين صلة العبد بربه؟ ومنذ متى نحتاج لواسطة يربطنا بخالقنا؟ تخيلوا لو قرأ هذا «العرض» أحد سادتنا من السلف الصالح، ماذا سيكون رده، أو تقويمه لمشايخ آخر الزمن؟

ثالثا/ صوتي أجمل مليون مرة من صوت ذلك المشعوذ الذي يبيع الأدعية، ويومي عذب ومعطّر في الوقت الذي ينقطع خبر هذا الشيخ وأمثاله، وأنا لست بحاجة لـ «مطرب» أو مغرد أو حسون لتلاوة أدعيتي وصلواتي، إضافة إلى أن لدي حنجرة قادرة على التعبير عما يجول في صدري، ولدي أوتار تصدر أصواتا أجمل من أصواته العذبة!

-3-
مرة أخرى، بعد مرات عديدة، يزداد حنقي على تلك القبيلة من المشايخ، الذين سيطروا على قلوب الشباب والشابات، بحسن بيانهم وبلاغتهم، وتقواهم المدعاة، ورقة و»عذوبة» كلماتهم في الوعظ والإرشاد، ورواية قصص الصالحين، وتأليفها ايضا، وهم في ذلك لا يزيدون عن أي تاجر، يسعى للتربح والإثراء، بضاعتهم في ذلك الكلام المنمق، والموعظة الحسنة، حتى إذا وضعوا على المحك، وجاء وقت الصدام بين «الحق» الذي يدعون إليه ليل نهار ويمجدونه في خطبهم، وبين «الظلم» الظاهر البين الذي لا يحتاج إلى تأويل، انحازوا لقوة ومنعة الظلم، وانتصروا له ضد الحق، حفاظا على ثرواتهم ومكاناتهم ومنصات التعبير التي تدر ذهبا وفضة، وباعوا آخرتهم بدنيا غيرهم!

فاذهبوا عنا بعيدا يا تجار المواعظ، وشيوخ السلاطين، فقد انكشف عواركم، ولم تعد أردية وجلابيب التقوى والورع تخفي حقيقتكم البشعة!

عن الدستور

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023