القسم : مقالات مختاره
المجتمع المريض
نشر بتاريخ : 8/20/2025 4:11:17 PM
إسماعيل الشريف

تقاس حضارة المجتمع بكيفية تعامله مع المجرمين- تشرشل.

تحت شعار «التمدّن» شرعت الدول الأوروبية في نهب مقدّرات العالم الجديد، وجعلته ملاذًا للفائضين اجتماعيًا وللمجرمين الفارّين من العدالة. استخدمت بريطانيا أستراليا مستعمرةً عقابية فأرسلت إليها عشرات الآلاف من السجناء للتخفيف من اكتظاظ السجون، فتحوّل وجودهم لاحقًا إلى نواة المجتمع الاستيطاني الأوروبي هناك. وعلى النهج ذاته رحّلت فرنسا بعض مجرميها إلى كندا والجزائر ومستعمراتها في الكاريبي. ولم يكن المشروع الصهيوني استثناءً من هذه النماذج الاستيطانية؛ إذ اتخذ هو الآخر ملاذا للمجرمين ومنحرفي الأخلاق.

قرأنا قبل أيام عن حادثتين منفصلتين تورّط فيهما دبلوماسيون صهاينة بفضائح جنسية، كان آخرها اعتقال توم أرتيوم ألكساندروفيتش، رئيس المديرية الوطنية الإسرائيلية للامن السيبراني، برفقة سبعة آخرين في مدينة لاس فيغاس بالولايات المتحدة، بعد توجيه تهمٍ لهم بالتحرّش واستدراج طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة لممارسة الفاحشة معه؛ أيُّ انحطاطٍ ودناءةٍ هذه! ومن المعلوم أن الأمن السيبراني يخضع مباشرة لإمرة مجرم الحرب نتن ياهو، الذي سارع مكتبه إلى إصدار بيانٍ كاذبٍ زعم فيه أن توم ليس دبلوماسيًا وأنه لن يعود إلى الكيان. وكان يفترض أن ينال هذا المجرم جزاءه، غير أنه خرج بكفالةٍ غامضةِ المصدر، ليعود مطمئنًا إلى وكر المجرمين.

هذه ليست حادثةً فرديةً معزولة، بل انعكاسٌ لثقافةٍ متجذّرة في هذا المجتمع المريض المجرم، ثقافةٍ تُرعى وتحظى بحماية الدولة نفسها. لقد تحوّل الكيان إلى واحةٍ آمنةٍ لهؤلاء المنحرفين والمتحرّشين. خذ مثلًا مالكا ليفر، مديرة مدرسة في أستراليا متَّهمة بالاعتداء الجنسي على أكثر من سبعين طفلة؛ هربت إلى الكيان عام 2008، ولسنواتٍ وفّرت لها المحاكم الحماية بذريعة إصابتها بمرضٍ عقلي، قبل أن يتبيّن لاحقًا أن ذلك كان محض كذب. وكذلك جيمي يوليوس كاراو من ولاية أوريغون، الذي فرّ من اتهاماتٍ بالاعتداء على طفلةٍ في التاسعة من عمرها، فلجأ إلى الكيان وحصل على الجنسية بموجب «قانون العودة». كما قرأت عن رجلٍ أميركي متَّهمٍ بالاعتداء على تسع فتياتٍ صغيرات، فرّ أولًا إلى كندا ثم إلى الكيان الذي استقبله بالأحضان.

ووفقًا لمنظمة Jewish Community Watch فهنالك أكثرُ من ستينَ مشتبهًا بالاعتداء الجنسي على الأطفال فرّوا من الولايات المتحدة إلى الكيان للإفلات من المحاكمات. الخطة واضحة: اغتصِبِ الأطفال، اشترِ تذكرةً إلى الكيان، سيُرحَّب بك، وسيُمنَحك جنسيته، وإنْ أردتَ تستطيع تغيير اسمك وهويتك لتعود «كما ولدتك أمك»، وستقدّم لك الدولةُ حمايتَها.

ولكن هذه القضية لا تقف عند الوافدين فحسب، بل إن المجتمع بأسره غارقٌ حتى أخمص قدميه في الاعتداء على الأطفال. ففي عام 2023 تلقّت مراكز الأزمات الخاصة بالاغتصاب في الكيان 54,044 اتصالًا، كان 59% منها يتعلّق بالأطفال، و28% من هذه الاتصالات تخصّ أطفالًا تتراوح أعمارهم بين حديثي الولادة و12 عامًا. ووفقًا لجمعية «ماتسوف» تُنظَّم مهرجاناتٌ سنويةٌ لمتحرِّشي الأطفال في الكيان، يقع ضحيتَها نحو مائة ألف طفل، ومع ذلك تُغلَق 80% من القضايا دون توجيه لوائح اتهام.

والأدهى من ذلك أن تقاريرَ تحدّثت عن اعتداءاتٍ تُمارَس ضمن طقوسٍ منظَّمة داخل المجتمعات الحريدية المتديّنة. ففي نيسان/أبريل 2025 نشرت صحيفة «إسرائيل هايوم» سلسلةَ تحقيقاتٍ بعنوان «قاع الظلام»، تضمّنت شهاداتِ أكثرَ من عشر نساءٍ تحدّثن عن تعرّضهن للاعتداء الجنسي وهنّ ما زلن طفلات في طقوسٍ جماعية. وكان المعتدون حاخاماتٍ ومعلّمين ونوّابًا ورجالَ شرطة، وأحيانًا آباء. وروت النساء أن تلك الطقوس شملت صلواتٍ ونصوصًا رمزية، وجرت في أماكن متعددة، بما في ذلك الكُنُس. والنتيجة: أُغلقت جميعُ القضايا!

وهناك دولٌ فقيرةٌ تقدّم باقاتٍ سياحيةً موجَّهةً للصهاينة بغرض اغتصاب الأطفال. ولا ننسى أبدًا خروجَ آلاف المتظاهرين دفاعًا عن جنودهم، مطالبين بالإفراج عنهم بعد صدور تقارير كشفت عن اغتصابهم لقاصراتٍ فلسطينيات.

نحن فعلًا أمام مجتمعٍ مريض؛ فقد ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن 56% من الرجال في الكيان لا يعتبرون الإكراهَ الجنسي على شخصٍ يعرفونه اغتصابًا أصلًا.

لذلك، فكيانٌ يحمي المتحرِّشين ويفتح أبوابه لجميع المجرمين والمرضى النفسيين سيكون من الطبيعي أن يرتكب إبادةً جماعيةً بحقّ السكان الأصليين، تمامًا كما فعل الأوروبيون في مستعمراتهم. والفرق الوحيد أننا نشاهد اليوم الإبادة بالصوت والصورة، فتكون وقعُها أشدَّ من مجرّد القراءة عنها. ثم يأتون إليك ويتحدّثون عن حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية!

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2025