بقلم: م. عبدالرحمن "محمدوليد" بدران
نتذكر قبل حوالي 3 سنوات كيف قامت الحرب علينا بعد نشرنا مقالة بعنوان: "مثلي وأفتخر"، ومن يدقق في حروف الكلمة الأولى يعرف بأن لها معنى مثلي أي المثيل لي، تحدثنا فيها عن رفضنا القاطع للمثلية في مجتمعنا وأن يفاخر أي أحد بمثل هذه الأمور المرفوضة بكل معانيها فيما بيننا، لكن المأساة وقتها أن عشرات سارعوا للذم والقدح ولم يتركوا شتيمة ولا إساءة بحق كاتب المقال فقط بمجرد قراءتهم لعنوان المقال دون تكلف عناء قراءة حرف واحد منه، ولا حتى محاولة فهم معنى حروف عنوانه !
وقد إطلعنا قبل أيام على مقطع مجتزء من خطبة لأحد المشايخ السعوديين بعنوان: "للسعوديين فقط"، وكان المقطع عبارة عن جزء من الخطبة يطلب فيه الخطيب من غير السعوديين مغادرة المسجد لأن المسجد مخصص للسعوديين فقط، لكن الغريب كان أنه بالرجوع للخطبة الكاملة تم التأكد من أنها كانت قبل 4 سنوات وليس قبل يوم أو يومين، إضافة إلى أن معنى الخطبة كان مغاير تماماً للمعنى الذي أراد الايحاء به ناشر ذلك المقطع المجتزء، حيث كان الخطيب يتحدث عن ضرورة نبذ النظرة الاقليمية الضيقة في التعامل مع البشر وتمييزهم على أساس أن السعودين أو أي جنسية أخرى أفضل من غيرها، عملاً بالحديث النبوي في صحيح مسلم: «رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره».
وكنا قد رأينا كما رأى الكثير غيرنا في الأسبوع الفائت كيف ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بأنواع الاساءات والاستهزاء بحق مذيع التلفزيون الأردني صلاح العجلوني بسبب قراءته لاسم موقع الكتروني بصورة خاطئة، وهو خطأ مؤثر لكن المؤسف أن يتم نسيان خدمة المذيع الممتدة 20 عاماً في التلفزيون لأجل لحظة أخطأ فيها دون النظر في أسباب هذا الخطأ أو حيثياته ويتم نقله للاذاعة تحت ضغط حملات مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن هنا تظهر مجدداً أهمية التروي والتوثق من المعلومة من مصدرها قدر الامكان قبل إتخاذ أي قرار أو الجزم بصحة أي معلومة، خصوصاً ونحن نتحدث عن وسائل إعلامية أصبح إنتشار المعلومة فيها لا يحتاج لأكثر من ثوان قليلة، والحقيقة أن ناشري المعلومات المسيئة أصبحوا اليوم بين فئتين، فئة تسعى للفتنة "عمداً" فتقوم باجتزاء مقاطع لتشويه أصحابها أو تنشر أي خطأ أو مقطع مسئ لأي شخص وتقيم الدنيا عليه لاغتيال شخصه والقضاء عليه وكأن أحداً لم يخطأ قبله، وفئة أخرى تصلها المقاطع من مصادر معلومة أو مجهولة بعد إنتشارها قتقوم بنشرها بحسن نية ودون قصد الاساءة وإنما من باب مشاركة المعلومة، لكن حسن النية لا يعفي هذه الفئة من ضرورة التوثق من المعلومة قبل نشرها، ويبقى من واجبنا جميعاً إيقاف من يتعمد إستخدام وسائل الاعلام المختلفة بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز مبدأ سوء الظن وإفتراض الأسوء بين أفراد المجتمع، وهو المبدء المناقض تماماً لما أمرنا الله عزوجل به من حسن الظن بالغير وإفتراض سبعين عذر له إذا ما أخطأ، فأصبح البعض متحضر متحفز بسيوفه الاعلامية ضد أي إنسان عندما يخطأ لينسف أي شئ حسن قدمه في حياته هذا برغم أمر الله عزوجل لنا باجتناب "كثير" من الظن وليس القليل منه فقط !
وقد ورد في الحديث النبوي الثابت في صحيح مسلم وأحمد والنسائي وأبو داوود: أن إمرأة كانت متزوجة في المدينة وقعت في الخطيئة فحاسبت نفسها بشدة وذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ووقفت بين يديه وقالت: «أخطأت يا رسول الله فطهرني» فأعرض عنها، فأصرت على طلبها فأعرض عنها لعلها ترجع وتتوب بينها وبين الله، فخرجت من عنده والذنب يأكل فؤادها ولم تطق صبراً، فلما جلس صلى الله عليه وسلم في مجلسه من الغد إذا بها تقبل عليه وتقول: «يا رسول الله» فأعرض عنها، فقالت: «يا رسول الله لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك فوالله إني لحبلى من الخطيئة»، فالتفت إليها ثم قال: «إما لا فاذهبي حتى تلدي»، فخرجت من المسجد ومضت إلى بيتها وذهبت تعد الساعات والأيام وتتحمل الآلآم، فلما مضت تسعة أشهر ولدت فلم تنتظر نفاسها، بل قامت من فراشها وحملت وليدها ومضت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعته بين يديه وقالت: «هذا قد ولدته يا رسول الله»، فنظر النبي إليها فإذا هي في تعبها ونصبها، ونظر إلى وليدها فإذا هو صبي في مهده فقال: «إذهبي فأرضعيه حتى تفطميه»، فذهبت وغابت سنتين كاملتين، فلما فطمته خرجت بولدها من بيتها وناولته في يده كسرة خبز، وأتت به حتى وقفت بين يدي رسول الله فقالت: «هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام فطهرني» فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم الصبي لرجل كفله من المسلمين ثم أمر بانفاذ الحد فيها، وقد جاء في إنجيل يوحنا رواية أن جماعة متعصبة من الكتبة قبضوا على إمرأة متلبسة بخطيئة، فأحضروها إلى المسيح عليه السلام ليروا حكمه عليها، فقال لهم المسيح: «من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر فخرجوا جميعهم، فقال لها المسيح عليه السلام: أما أدانك أحد؟ فقالت: لا يا سيد، فقال لها: ولا أنا أدينك، إذهبي بسلام ولا تخطئي أيضاً»، ومن هنا نرى كيف كان التعامل النبوي مع إمرأتين وقعتا في الخطيئة وإعترفتا بذلك، بل إن إحداهما كانت تلاحق الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ليطهرها ويطبق عليها العقاب وهو يعرض عنها في كل مرة ويعطيها الفرص لعلها لا ترجع لتعاقب، فكان التعامل النبوي ينطق بكل معاني التسامح والرحمة.
ولذلك وبما أن كل بني آدم خطاء كان من المهم عليك قبل أن تقع في الخطأ أن تكون قد عودت نفسك حسن الظن بغيرك عند وقوعه في الخطأ، ذلك إذا ما كنت تنتظر منه معاملتك بالمثل وإلا فان عليك الاختفاء من أعين كل المخلوقات قبل أن تقع في أي خطأ كان.
ورحم الله الشافعي الذي قال: إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى، ودينك موفور وعرضك صيِن، لسانك لا تذكر به عورة إمرئ، فكلك عورات وللناس ألسن، وعيناك إن أبدت إليك معايباً، فدعها وقل يا عين للناس أعين، وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى، ودافع ولكن بالتي هي أحسن.