القسم : بوابة الحقيقة
خارطة الصراع الجديدة في المنطقة!
نشر بتاريخ : 1/20/2018 3:20:27 PM
جعفر المعايطة

بقلم: جعفر المعايطة

اتجهت الأنظار إلى تسوية الأزمة الاسرائيلية الاردنية، وخروج نتنياهو من عنق الزجاجة الاردنية، وما تبعها وسبقها من محادثات ومناورات ومذكرات للعمل بشروط عَمان، وفرض الأمر الاردني الواقع متزامناً مع قرار الحكومة الاسرائيلية التي تقدمت بمذكرة ( صك عطوة باعتراف مع عطوة اقبال تطلب الصلح ) تناشد اهل المغدورين الشهداء الصفح مع اعتذار وندم واسف وتعويض لشهداء السفارة ( الجواودة وحمارنة وشهيد الجسر زعيتر)، مع خفض حدة التصعيد الدبلوماسي ضد اسرائيل واعادة فتح السفارة وهذا حسب تصريح ناطق الحكومة الاردني الرسمي د. محمد المومني)، ورغم أن هذا السيناريو بدأ واقعاً قوياً ومعززاً ويعد انتصاراً سياسياً وقانونياً ودبلوماسياً للاردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين وولي عهده الامين الملكي الامير الحسين ابقاهما الله ذخراً وسنداً لهذه الامة !

إلاّ أن الموقف الاسرائيلي تجاه القدس مازال عالقاً، خاصة مسألة نقل السفارة الامريكية الى القدس، ومما زاد الطين بله وزاد الامر سوءا هو تصريح الخارجية الامريكية القاضي باعطاء سيناء وطناً بديلاً لانشاء دولة للفلسطينيين وبتمويل خليجي يصل الى ٨٠٠ مليار دولار في ظل عدم تشاور مصري أو خليجي أو عربي على مستوى جامعة الدول العربية، وعلى رأي الشاعر ان كنت تدري فتلك مصيبة، وان كنت لا ندري فالمصيبة اعظم !

وبهذا التصريح الاخير (الذي صمت صاحبه دهراً ونطق كفراً) قد احيا الصراع مجدداً في المنطقة خاصة على الساحة الاسرائيلية بين الاحتلال والفلسطينيين، وبهذا يمكننا القول ان خارطة الصراع قد تطورت بعد القرار الأميركي الذي انتقل إلى (الخطة ب) والحديث بها ذو غصة والم وسخرية، وذلك لاقحام مساطر خطوط طول وعرض لتقسيم مصر، وسوريا والعراق واليمن والسعودية مع تعديل لديموغرافية وجغرافية الاردن !

الى الآن أصبحت أوراق اللعبة الجديدة مكشوفة للساعي والداعي خاصة بعد دحر الجماعات والتنظيمات الإرهابية في سيناء، ان إنشاء دولة فلسطينية محاذية لثلاث دول، (مصر واسرائيل والاردن) يعطي لكل طرف حق الدفاع او الهجوم او قسمة المحاصصة في النزاع لانها تمس دوره في القضية المحورية، وستكون كالعادة حصة الاسد للاحتلال، لان الاحتلال عايب !

ان خارطة مصالح الربيع العربي هي تلك التي عمّقت من الأزمات الداخلية بين ابناء أنفسهم، خاصة عقب قرار مسألة القدس، الذي انقسم العرب عليه سراً وعلناً، وهذا ما يساعد على اغراق المنطقة بالفوضى من جديد، (وهو مطلب ومتطلب امريكي واسرائيلي)، لاخلال عامل التوازن وخلق حالة من أطماع الاستحواذ والهيمنة لكل طرف. فمصر تريد الهيمنة كون سيناء الارض ازضها، واسرائيل تريد فرض هيمنة وامر واقع كونها المعني الاكبر بترجمة الفلسفة الاحتلالية في المنطقة خاصة قطاع غزة، ولا شك ان الاردن لاعب رئيس ومراقب لحساسية الموقف لارتباطه مباشرة مع الشقيق الفلسطيني، على الرغم من انشغال تركيا عسكرياً ضد الأكراد في سورية، الا انها شريك استراتيجي بالقرار بحكم منطق القوة في المنطقة ، وهذا لا يثني إيران ايضا بالضلوع بالقرار كونها هي الداعم الرئيس لحماس رغم انشغالها بربيعها الداخلي !

كل المؤشرات تدل على ان الادارة الامريكية تنوي إلى إشعال فتيل أزمة جديدة مع الفلسطينيين، ومن ثم تجريدهم من طموحاتهم وارضهم وعودتهم وتقرير مصيرهم في فلسطين !

والمنطقة ككل، بين خيارين احلاهما مر ، ( القبول بما هو قادم او الجوع مع المواجهة)، ولا شك ان السياسات الاقتصادية والتضييق على شعوب المنطقة تبشر بقبول كل ما هو قادم مع بوسة لحية، ليس لاننا لا نستطيع المواجهة، بل لاننا فقدنا جيل المواجهة !

ولوضع المنطقة امام الخيارين، بدأ وحذا بترامب في خطاباته ان يكون أكثر انفعالاً وتحدياً من أي وقت مضى، لأنه ينوي فعلا إقامة الوطن الفلسطيني الغزي في سيناء، وهذا الذي سوف يرتد على بقية مكونات المجتمع الفلسطيني في الداخل، واا ندري هل فعلاً الصندوق الخليجي مستعداً لتقديم الدعم المادي لحليفه الامريكي ٨٠٠ مليار دولار، فلا نلوم الخليج الممول لأنه يخشى على مصيره من أي تهور امريكي مقبل، أو اي تراجع أميركي محتمل. كما من حق الخليج ضمان حناجر واقلام الادارة الامريكية لصالح دول الخليج ضد السياسة الايرانية !

اما الاردن فهو الاقوى، رغم انه لن يحرّك ساكناً في إثارة أي زوبعة تجاه القرار ، لأنها باختصار لن تغيّر من الواقع شيئاً، ولقناعة الاردن بان الامر سيكون لها (خبز مخبوز ومي بالكوز)، ولا سيما تريد أن تحفظ خط الرجعة مع امريكيا واسرائيل وفق تفاهمات ما بعد التقسيم المحتمل في المنطقة، وهذا حق مشروع كونها اللاعب المنفرد صمن شريط حدودي الاطول في المنطقة، ولاسيما هي (الاردن) المتضررة الاكبر من قرارات الادارة الامريكية المتتالية وهذا ما يعرفه القليل من النخب السياسية المخضرمة !

خارطة الصراع في المنطقة لم تتغيّر على مستوى اللاعبين فيها، ولكنها حددت ووسعت حجم وحدود كل طرف؛ فتركت لاسرائيل الحبل على الغارب في انتقاء مصالحهم في إقامة قواعد عسكرية ومستوطنات واعطت قبلة الحياة لنفسها من خلال التمسك بالخيار الاردني كخيار استراتيجي للعبور إلى المرحلة الانتقالية، وهي ( اقامة دولة فلسطين الغزية ضمن مشروع التقسيم في المنطقة)، أما تركيا فستبقى على تشابك مع جبهة الأكراد صداعاً مزمناً لها على مدى عقود، وسوف تنكفئ على داخلها، ومثلها إيران التي لن يسمح لها بان تتمدد كثيراً على حساب مصالح القوتين الروسية والأميركي !

قطاع غزة الذي كان ولا زال وجهة للسلاح الإيراني، الأمر الذي جعل السياسة الأمريكية تفكر وتراهن على مهادنة مصر للوصول الى سيناء، وذلك بعد اعادة تبعية جزر تيران وصنافير بمساجة ٣٣ + ٨٠ كم٢ للسعودية !

والملفت للنظر انه في منطقة فيها ٤٤ تجمع سكاني في مساحة ٥٦ كم٢ يعيش أكثر من ٢ مليون من سكانها تحت خط الجغرافيا والاقتصاد ويبلغ فيها متوسط التوزيع ٤٦٦١ فرد / كم٢.

لكن السؤال :-
هل يعلّق الغزيون السكان آمالهم على الانفتاح ويأملون باستقطاب الاستثمارات الأجنبية؟
هل هذا هو أحد الأسباب وراء رغبة حماس نفسها من خلال تصريحاتها في تجهيز الشعب الغزي للوصول الى تسوية مع إسرائيل؟
هل الفلسطينيون فعلاً يحتاجون لامريكيا كشريك للسلام من أجل إقامة وطن على بنى تحتية وبناء اقتصاد متين؟
هذا ما ستبدي لنا الايام، وان غداً لناظره لقريب!

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023