بقلم: د. اسعد عبد الرحمن
من "سخريات القدر" الإسرائيلية، جراء إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية القرار الرافض أي إجراءات تهدف إلى تغيير الوضع في القدس، قيام رئيس حكومة اليمين المتطرف (بنيامين نتنياهو) بوصف الأمم المتحدة بأنها "بيت الأكاذيب"، علما بأنه هو الذي يعيش في "بيت الأكاذيب" الحقيقي في ضوء التطورات المتسارعة بقضايا الفساد المثارة ضده. فكلا المجتمع والطبقة السياسية في إسرائيل بانتظار انتهاء التحقيقات التي تجريها الشرطة وتوصية المدعي العام بتوجيه اتهام رسمي (لنتنياهو)، بعد خضوعه للاستجواب 7 مرات، في حين بات كثيرون من السياسيين الإسرائيليين البارزين يتهمونه بالكذب ويطالبونه بتقديم استقالته، مع إصرار (نتنياهو) على تجاهل التطورات وهو ما أكده بنفسه حين علق على مسألة تقديم لائحة اتهام ضده مؤخرا بالقول الممجوج الذي أثار استياء كثير من الإسرائيليين: "غالبية توصيات الشرطة يقذف بها إلى سلة القمامة"!!!
تتوالى المسيرات الإسرائيلية بالآلاف، والتي انضم إليها قبل أيام قليلة اليمين الإسرائيلي، احتجاجا على الفساد الحكومي والمطالبة باستقالة (نتنياهو) وذلك مساء كل سبت للأسبوع الرابع على التوالي. بل إن (نتنياهو) أطلق على المظاهرة الأخيرة، السبت الماضي، اسم "مسيرة العار"، والتي تخللتها هتافات تطالبه وأعضاء آخرين فاسدين في حكومته بالاستقالة. وفي تظاهرة دعا إليها وزير "الدفاع" السابق (موشيه يعالون)، الذي أصبح خصما (لنتنياهو)، أعلن (يعالون) في المظاهرة: "إن الفساد آفة أخطر بكثير من التهديد الإيراني ومن حزب الله ومن حماس. نتنياهو يتصرف كما أزعر هارب، ويضرم النار بما فقدنا الأبناء لأجله". بل وفي تطور ملفت، قال رئيس الائتلاف الحكومي الجديد (دافيد أمسالم) إنه "يجب على نتنياهو الاستقالة من منصبه إذا ما قدمت ضده لائحة اتهام تتضمن تهمة الرشوة". أما المفتش السابق للشرطة الإسرائيلية (آساف حيفتس) فقال: "نتنياهو فعل أسوأ ما يمكن فعله، فهو يزعزع ثقة الجمهور بالشرطة. كان عليه الاستقالة بمجرد اعترافه بتلقي الهدايا". ومن جهته، كتب (عوزي برعام) يقول: "حصل الجمهور الإسرائيلي جراء التحقيقات مع نتنياهو على رئيس أسوأ من دونالد ترمب الذي لا يمكن على الإطلاق معرفة إذا كانت أقواله هي نتيجة تفكير أو نزوة عاطفية. نتنياهو يدرك أنه في ورطة جماهيرية ويحاول إعادة العجلة إلى الوراء. ولكن الوقت أصبح متأخرا جدا. يحظر تصديق أي كلمة يقولها".
وبعد أن صادق الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بالقراءة الأولى على "قانون التوصيات"، الذي يمنع الشرطة من تقديم توصيات مع انتهاء التحقيق، والذي يسري بأثر رجعي على التحقيقات مع (نتنياهو)!!!، كتب محلل الشؤون الداخلية في "هآرتس" (يوسي فيرتر): "في لحظة من أكثر اللحظات المخزية للكنيست، ساهم الائتلاف الحاكم بتقديم الدعم إلى المشتبه به الرئيسي نتنياهو من خلال قانون يحظر نشر خلاصات تحقيق الشرطة في الملفين 1000 و2000 اللذين يشارفان على الانتهاء في وقت قريب. لم يسبق أن شهدنا مثل هذا الانحطاط، فالقانون جرت خياطته خصيصاً على قياس رئيس الحكومة المتورط بجرائم جنائية، بمعرفة منه وبالتنسيق معه. لكن ما دام الائتلاف متمسكاً بالحكم، فإن كل عمل شنيع هو خيار قانوني، وكل حقيقة هي كذب، وكل كذب هو حقيقة". أما (يوفال ديسكن) رئيس جهاز الشاباك الأسبق، فقال بشأن "تشريع حظر التحقيق مع رئيس وزراء مقيم": "تشريع فاسد، يبرر خروج الجمهور إلى الشوارع إذا لم يتوقف. التطورات الأخيرة في الكنيست وفي الائتلاف، تؤكد أن الفساد ضرب جذورا عميقة في مجلسنا التشريعي". وأضاف: "لدينا سبب وجيه لأن نكون مفزوعين من التعفن القيمي والأخلاقي الذي يقودنا، والذي يتسلل إلى الكنيست ومنظومات الحكم ويقوض مستقبلنا وأسس وجودنا. إذا سمحنا للفساد لأن يحتل مكانه في الكنيست سنكون مهزوزين، مخللين، وبالأساس عفنين".
على صعيد متمم، وفي مقال بعنوان "إسرائيل تتدحرج إلى مملكة موز!"، كتب (ناحوم برنياع) يقول: "المشكلة ليست نتنياهو: المشكلة هي الـ 119 عضوا آخر في الكنيست. عليهم أن يعرفوا بأنهم يدحرجون الدولة في منحدر سلس، في الطريق الى جمهورية موز (والأدق، مملكة موز)"!!! أما أولئك الذين يدعون للحفاظ على حزب "الليكود" في السلطة، فقد باتوا كذلك يدعون لاستقالة (نتنياهو). ففي سياق تبيان أهمية "الحزب" على (نتنياهو)، كتب (نداف هعتسني) يقول: "كل من ينتخب في مكان نتنياهو – من كاتس وحتى ساعر، من اردان وحتى لفين - سيكون أفضل لليكود وللدولة في الظروف الحالية. إذ فضلا عن كل شيء آخر، أصبح نتنياهو بذنبه عبئا ثقيلا على الليكود والمعسكر الوطني، ناهيك عن المخاطر التي تحدق من خطوات يائسة من شأنه أن يتخذها في محاولة لإنقاذ جلدته".
رغم أن (نتنياهو) يدرك أن لا خصم واضحا من المعارضة يهدده على الساحة السياسية حاليا، فإن من المؤكد أن القلق بات يتملكه أكثر من ذي قبل، وسط مؤشرات تفيد بأن الشرطة ستنهي قريبا التحقيقات وتوصي بتقديمه للمحاكمة، مع تصاعد الحراك الشعبي الأسبوعي الداعي لإقالته. إن (نتنياهو) يبحث عن مهرب، يبقيه في كرسي رئاسة الوزراء، الى ما بعد الانتخابات البرلمانية، التي قد يضطر لها (نتنياهو) في القريب العاجل حال شعر أن هذه الانتخابات ستنقذه وتعيده إلى رئاسة الوزراء!