محمد خروب
عندما استُدعي مراسلو البيت الابيض على عجل, لتغطية عشاء جَمَعَ الرئيس ترمب مع القادة العسكريين وزوجاتهم مساء الخميس الماضي, فاجأهم الرئيس الاميركي بخبر حاول معظمهم دفْع ترمب للكشف عمّا وصَفَه بـِ «الهدوء الذي يسبق العاصفة»، إلاّ انه أصرّ – وهو المندفع بلا كوابح للاستعراض والتبجح – على ابقاء ما يخطط له في الخفاء سراً, رافضاً الإلماح ما إذا كان يقصد ايران او كوريا الشمالية او حتى تنظيم داعش «فقال في استعلاء: ستكتشفون ذلك، لدينا في الغرفة أفضل القادة العسكريين في العالم».
وفي بلد كاميركا التي تقوم به «الترسانة» الاعلامية ذات الصلة الوثيقة بوكالات الاستخبارات والمجمع الصناعي العسكري صاحب النفوذ الأقوى، وصاحب القرار في لجم الرئيس وتحجيمه او «حَقنِه» بما يكفي من أجل الذهاب الى الخيارات العسكرية، يدرك ساسة العالم أجمع وعواصم القرار الدولي ان بمقدور «الحكمة» والدبلوماسية والحوار ان تذهب بها في اتجاه آخر غير الحروب والدمار وعسكرة العلاقات الدولية، لكنه «حزب الحرب» في البيت الابيض الذي يُسيطر عليه ثلاثة جنرالات يحتلّون موقع كبير موظفي البيت الابيض ومستشار الأمن القومي ووزير الدفاع, هو (حزب الحرب) الذي يُقرِّر المسارات والمصائر.. ولهذا يتحدث الجميع الان عن «ايران» كهدف للرئيس الاميركي, بعد ان تراجعت نسبياً كوريا الشمالية, إثر التحذيرات الشديدة التي وجهتها موسكو وبيجين لواشنطن من ان خياراً كهذا ستواجهانه بحزم, لانه يعرض أمن المنطقة وتوازنها الاستراتيجي للخطر.
وإذ يتوجب على الرئيس الاميركي ابلاغ الكونغرس (كل 90 يوماً) مدى التزام طهران بالاتفاق النووي الموقع قبل عامين 4 تموز 2015، وما إذا كان رفع العقوبات عنها يخدم المصلحة القومية الاميركية، فإن موعد هذا «الإبلاغ» يقترب (منتصف الشهر الجاري) ما جعل صحيفة كالواشنطن بوست تقول نقلاً عن «مصادر» في البيت الابيض: ان ترمب سيُعلِن منتصف الشهر الجاري, ان الاتفاق «لا يخدم» المصلحة الاميركية، فيما تولّت «نيويورك تايمز» الاشارة ان ترمب يعتزم «سحب الإقرار» بالاتفاق دون الانسحاب منه، كي يُكلّف الكونغرس (الجمهوري في غالبيته النواب والشيوخ) البتّ في مسألة إعادة فرض العقوبات المرتبطة بالملف النووي خلال «60» يوماً.
خطوة دراماتيكية الى الأمام، يأخذها على عاتقهم صقور حزب الحرب في البيت الابيض والكابيتول هيل (مبنى الكونغرس) كي يُشعِلوا اكثر من حرب او يؤججوا اكثر من بؤرة توتر في الشرق الاوسط كما في شرقي اسيا، في تأكيد على ما كان ترمب قاله في حملته الانتخابية, بأنه «سيفكك» الاتفاق مع ايران كونه «اسوأ اتفاق في التاريخ»، كذلك في التهديد العلني بأنه «مُستعد وراغِب و...قادر» على تدمير كوريا وشعبها (عدد سكانها 25 مليون نسمة).
قد يذهب البعض بعيداً في القول (غير الصحيح أبداً): لو فازت هيلاري كلينتون لكان المشهد الدولي وبخاصة الاتفاق النووي او برنامج بيونغ يانغ النووي والصاروخي مختلفاً. إلاّ ان هؤلاء ينسون ربما عن غير قصد ان هيلاري كانت قد «تفاخَرت» بانها مستعدة «لمحو ايران بالكامل» ما بالك ان عدد سكان ايران ثلاثة اضعاف عدد الكوريين الشماليين (سكان ايران 80 مليون نسمة)؟
نحن إذاً أمام عربدة اميركية موصوفة, تتكئ دائماً على نزعة «الاستثنائية» التي تمنح فيها واشنطن نفسها حق اتخاذ اي قرار في اي مسألة او ازمة او مصلحة, دون أدنى إهتمام بمصلحة واحدة من دول العالم او شعوبها, ودون الاستفادة من دروس التاريخ والأكلاف التي دفعتها الشعوب التي تم الاعتداء عليها, بل واميركا نفسها من جنود واموال وسمعة كما هي حال حرب فيتنام وبعد كل حروبها وغزواتها وعدوانها ومؤامراتها على معظم دول العالم.
الأمر يتبدّى بوضوح الان, في الخروج على ارادة الدول التي وقعت «اتفاق فيينا» مع ايران وهي دول مركزية واساسية في العالم. خَمْس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، اضافة الى المانيا وكلها باستثناء اميركا تؤكد التزامها الاتفاق وتحذر من مغبة تقويضه, بل إن وزيرة الخارجية الاسبانية السابقة آنا بالاسيو حذّرت في مقال لها أخيراً بانه في هذه الحالة «تُصبِح» إعادة ايران الى طاولة المفاوضات مستحيلة عملياً، ولن تكون الولايات المتحدة وحدها قادرة على فرض عقوبات قوية بالقدر الكافي على ايران لتأمين هذه النتيجة. في حين – تُواصِل الوزيرة الإسبانية – سيكون من غير المرجّح الى حد كبير ان يُعيد الاتحاد الاوروبي – المهندس الاساسي لخطة العمل الشامل المشتركة – فرض العقوبات على ايران التي (تفي) بالتزاماتها، وبِوسع المرء ان يفقد الأمل تماماً في عودة روسيا والصين الى العملية «ختمت بالاسيو.
تدرك واشنطن طبيعة الردود والمواقف الغاضبة من شركائها الذين وقّعوا الاتفاق، لكنها بعناد لافت ومشبوه ومستفِز, تمضي قدماً في التلويح بالخروج منه, فيما تُسرِّب انباء (غير مؤكدة) عن استعداد طهران للنظر في مسألة برنامجها الصاروخي الباليستي, نحسب انها تسريبات وشائعات مقصودة لذاتها وبذاتها, لان ليس بوسع ايران تقديم تنازلات كهذه، فيما يقول موقِّعو الاتفاق انها ملتزمة به, فضلاً عن أن البرنامج الصاروخي غير مُتضمّن في الاتفاق.
جعبة ترمب فارغة وذهابه الى «الحرب» مع ايران ليس بالضرورة ان تكون ناجحة, ومجرد التلويح بالقوة العسكرية ووجود افضل العسكريين في العالم لديه, لا تعني انه سيربح هذه المعركة. فغزو العراق شاهد على الفشل الاميركي الذريع (لا تنسوا أفغانستان وليبيا واليمن وخصوصاً...سوريا), ومع ذلك...لِننتظر ما ستسفِر عنه... «العاصِفة» التي يتوعّد ترمب العالَمَ...بها.
عن الرأي