بقلم: م. عبدالرحمن "محمدوليد" بدران
قرار أردني نجح بتبريد النار في صدورنا ولو قليلاً بعدم السماح بعودة طاقم السفارة الاسرائيلية إلا بعد محاكمة الضابط الصهيوني القاتل تزامن مع فرحة العيون بنصر الأقصى، وذلك بعد الجريمة النكراء في وسط عاصمتنا الأردنية بانهاء حياة إثنان من أبناء الوطن بلا أي ذنب إرتكبوه، ليقدم مجرم آخر "من بيننا هذه المرة للأسف" صباح اليوم على جريمة أخرى لا تقل بشاعة بقتل أحد رجال الأمن الساهرين على حفظ أمنه وأهله تاركاً أرغفة خبزه تغرق في بحر دماءه بلا رحمة ولا إنسانية.
وقد كنا تعمدنا تأخير الكتابة في الأمر حتى لا يكون ما يخطه القلم رد فعل متسرع لتبعات اللحظات العصيبة التي تمر بها بلادنا، ولكن بعد أن غزت "المباطحة" الأفكار وتصدرت الأخبار وجد قلمنا لزاماً عليه أن يتحرك، متسائلاً ترى مالذي يجعل أخبار مباطحة النائب السعود للنائب الصهيوني حزان تحظى بكل هذا الزخم الاعلامي، فهل شعبنا متعطش للمباطحات أو لمباريات المصارعة WWE إلى هذا الحد، أم أن هناك رمزية خاصة وجدها في هذه "المباطحة"، والحقيقة أن كثير من أبناء الشعب وجد بالفعل رمزية خاصة في هذه المباطحة، لعلها تشفى شيئاً من غليله من الصلف الصهيوني وترد له كرامته بعد "صفاقة" ذلك النائب الذي وصف الشعب الأردني بصفات لا تليق إلا بأشكاله هو ومن يحميه، وخصوصاً بعد رؤية زعيم الكيان الصهيوني يستقبل المجرم القاتل بالأحضان والابتسامات وكأنه حقق له إنجازاً ترفع له القبعات.
والحقيقة التي يعلمها الكثيرون بيننا أن شعبنا "كحال كثير من الشعوب العربية" يتعطش لأي طرف يكسر رأس من أذل الأمة العربية بأسرها على مر سنوات طويلة، بل ويبحث عن أي إنتصارات على هؤلاء الصهاينة حتى وإن كانت زائفة ومؤقتة.
واليوم نحن بأمس الحاجة للمباطحة، نعم للمباطحة ولكن مع أنفسنا قبل أي طرف آخر، لنبطح كل فساد يتغلغل بيننا في مجتمعنا ولنعمل على تحصين جبهتنا ثقافياً وسياسياً وعسكرياً، لنكون قادرين بعدها على مباطحة أعداء الأمة من الداخل والخارج، من الصهاينة وغيرهم، ولكن من غير المقبول أو المنطقي أبداً إختزال قضية العرب الأولى بمباطحة بين شخصين لن تقدم ولا تأخر للقضية شئ، وعلينا الإيمان بحقيقة أن هذا العدو الذي قتل شهداء الوطن من أبناء الجواودة والحمارنة لم ولن يفرق بين مسلم ومسيحي، ولا بين أردني أصله من الأردن أو من فلسطين، ولا بين شاب في مقتبل العمر أو رجل كبير السن، فهذه هي حقيقة تعامل هذا العدو معنا وهو الذي تفضحه جرائمه وعنجهيته في كل مرة رغم كل مساحيق التجميل التي يضعها ليظهر حمامة سلام.
لذلك كان لزاماً علينا أن نبقى صفاً واحداً بشعار موحد، كل الفلسطينيين الأحرار أردنيون دفاعا عن الأردن وأهله، وكل الأردنيين الأحرار فلسطينيون دفاعا عن أرض فلسطين وأهلها.
وهو ما تؤكده كلمات جلالة الملك عبدالله الثاني عن القضية الفلسطينية في كتابه فرصتنا الأخيرة: "إن منطقة الشرق الأوسط لن تشهد أمناً ولا إستقراراً ولا سلاماً، وهي بالتالي لن تشهد نمواً حقيقياً ولا لحاقاً بركب التطور الإنساني والحضاري، ما لم تشهد أولاً الحل المنشود لهذا الصراع، على أسس تضمن إنصاف الشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية، وفي إطار إقليمي يضمن السلام الشامل، القائم على أساس إستعادة جميع الحقوق العربية" هذه الكلمات التي يؤكد عليها جلالته في كل مناسبة ويعمل بكل طاقته لأجل ترجمتها واقعاً ملموساً للشعب الفلسطيني الشقيق يوماً ما.
وقد رأينا جميعاً كيف تنتصر الارادة والصمود عندما تتحد الجهود السياسية بصمود المرابطين الأبطال على الأرض، وتصدق النية في نصرة المقدسات والأوطان وهو ما تجسد في إنتصار الاقصى وعودة الاستقرار فيه رغماً عن أنف الصهاينة.
وبالعودة لذلك النائب الصهيوني الذي وصفنا بأننا بحاجة لاعادة تربية، نقول له أننا بالفعل لسنا متربين في نظر أمثالك لأننا لم نتربى على الذل والخنوع كما تريدونا أن نكون، ولأننا لولا أننا تربينا على طاعة قيادتنا وأولياء أمورنا وكبار بلدنا لكنت أنت وأمثالك وسيدك "النتن يا هو" تتعلمون الآن لدينا في مدارسنا أسلوب الحديث بلباقة وإحترام مع غيركم، ولكن من لا ترى عيونه إلا الصفاقة وقلة الاحترام لن يتعلم الاحترام أبداً، كما وأننا لا نريد للحجارة أن ترتفع أسعارها لدينا، فقد قيل سابقاً لو ألقمت كل من يعوي حجراً لأصبح سعر الحجر بدينار !
وإذا كنتم فرحتم بالقاتل "زيف" وعودته فاعلموا أن الزيف الذي تعيشون فيه لن يستمر للأبد، فلابد أن يأتي اليوم الذي يتعرى فيه زيفكم أمام العالم بأسره وتنكشف سوءته، أما نحن فنعلم كيف نحمي عوراتنا ونسترها بأرواحنا وبكل ما نملك.
كما ننصحك بطباعة السطرين القادمين وتعليقهما أمام سريرك الذي تنام عليه لتقرأهما كل ليلة قبل النوم، لعلك تفهم رأينا بك وبأمثالك، فقد قيل سابقاً: (يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيباً * يزيد سفاهة فأزيد حلماً كعود زاده الإحراق طيباً)، كما قيل في أمثالك أيضاً: (إذا نطق السفيه فلا تجبه * فخير من إجابته السكوت * فإن أنت أجبته فرجت عنه * وإن أنت تركته كمداً يموت).
فلتعلم أنك لن تعدو قدرك في عيوننا مهما فعلت، فللوطن الذي يقف مليكه أول جندي فيه رجال تحميه بأرواحها وأنفاسها من كل من تسول له الاعتداء عليه، وأن لنا من العزة والكرامة ما يغنينا حتى عن الماء لو لزم الأمر، لأن أرواحنا ترويها عزتها وكرامتها وفخرها بوطنها وقيادتها وأهلها عندما يتعلق الأمر بالوطن، وليس كأمثالك ممن لا تروي إجرامهم وطغيانهم دماء العالم أجمع.
رحم الله شباب الوطن الذين تعطر تراب الوطن بدمائهم فأصبح أحدهم يساوي أمة كاملة من أمثالك أنت وسيدك، يامن لن تعدو قدركم الخسيس في أعيننا مهما تراقصتم فوق جراحنا وآلالامنا.