بقلم: سامر عنبتاوي
رجل الصفقات جاء الى المنطقة يحمل شنطة بملفات و يروج بعائلته لاضخم صفقة بالتاريخ ليست مقصورة على المال و انما هي تشمل كل شيء ,, صفقة تمتد لأجيال و تؤسس لأجيال ,, فتشمل التاريخ و الجغرافيا ,, و تعبر عن هيمنة و لا أخلاقية رأس المال المتبادل ,, هي الصفقة الموعودة سدادا لما سلف من ديون مزعومة و عربونات لاستكمال النهج على حساب الجميع بما فيهم ( المتبرعين ) الاسخياء .
لقد قالها الرئيس الأمريكي صراحة : سندفعهم تكاليف الحروب و لولانا لما وجدوا و ما استمروا,, و لكنه تفاجأ بحجم الكرم الغير مسبوق ,, أموال تنفق بإسراف مذهل ليس لبناء اقتصاد و لا لتحسين ظروف معيشة المواطنين و لا لتحرير أراض من الإحتلال ,, و لكن حماية لأنظمة متكالبة على العروش المرصعة بالذهب و المبنية على الجهل و التخلف .
مئات المليارات بين دعم اقتصادي و صفقات أسلحة و هدايا بدون مقابل ,, ليتجه ترامب بعدها للكيان الذي يحميه سياسيا و يدعمه ماليا و يضمن له الغطاء ليحصل على هديته و هو عبارة عن كتاب ( الكارثة و البطولة ) و باستقبال متواضع جدا ,, و ليضع القلنسوة على رأسه و يبكي و عائلته أمام الحائط .
هذه هي الحقيقة المرة حقيقة تبديد ثروات الشعوب و التفريط بالأرض و استبدال الأعداء الحقيقيين بالوهميين ,, حقيقة أن ندفع أثمان تدمير أنفسنا و مقدراتنا ,, حقيقة أن نشتري أمن الحكام بمقدرات الشعوب ,, و أن نضحي بشعوب بأكملها على مذبح مصالح الحكام ,, نعم هذا ليس هذيان و لا خيال بل حقيقة كاملة أمام أعيننا جميعا .
الصفقة تهدف بنظر من دفع تكاليفها حماية النظام من أي احتقان أو تقسيم داخلي ,, و ايجاد تحالف ردع ضد فزاعة اسمها ( ايران) و قد استغل الرئيس ترامب هذا الرعب أفضل استغلال ,, أما الشعب السعودي فلا يجني الا هدر أمواله و تزايد التراجع الاقتصادي و البطالة و الفقر و ازدياد الانخراط في الحروب الاقليمية بما تكلفه من أثمان ,.. حلف يتشكل بصفقة اقتصادية سياسية ,, يضحي بشعوب و أراض و حقوق ,, و يساهم في اعادة تقسيم المنطقة معتمدا على دمار العراق و توريط سوريا و العبث في مصر فيختفي العمق العربي و يتلاشى الرابط الإسلامي لحساب المصالح .
و فلسطين ,, أول الضحايا وآخرهم تدفع الأثمان الغالية ,, الصفقة تحمل في طياتها تخيير الفلسطينيين بين الانتحار أو قتل النفس ,, فالصفقة المبرمة تعتبر ( اسرائيل ) صديق و كافة المقاومات ارهابية ,, و تأتي العروض الامريكية على القيادة الفلسطينية ,, تدمير ذاتي و بتوجيه واضح ,, المطلوب أن نخرج من جلودنا فنصف مقاومتنا بالارهاب و معاقبة شهدائنا في قبورهم و أسرانا في زنازينهم بحرمان ذويهم من أي عون ,, المطلوب أن نقر و نعترف أننا لسنا حركة تحرر ضد الاحتلال و لكن مجموعة من ( الغوغاء ) و الارهابيين ,, كيف لا و خطاب الرئيس الأمريكي و أمام أكثر من خمسين دولة إسلامية و عربية يصف حركات المقاومة في فلسطين و لبنان بالارهاب ,, و يصف دولة الاحتلال بالديموقراطية و السلام ,,
و علينا أن نعترف جميعا بذلك .
زار الرئيس ترامب مدينة مهد مسيح السلام بيت لحم مابين الجدار و الجدار ,, حاملا رسائل واضحة للقيادة الفلسطيني و بلغة ال (DEAL ) الأمريكية ,, TAKE IT OR LEAVE IT ,, صفقة تتضمن : -
اولا ,, العودة للمفاوضات المباشرة بدون شروط و لا سقف و لا مرجعية .
ثانيا ,,فصل و عقاب قطاع غزة بأكمله مما يمهد لدويلة تمتد مع أجزاء من سيناء ,, و العقوبات تتضمن قطع الأموال و العزلة السياسية .
ثالثا ,, بقاء الكتل الاستيطانية و البناء فيها مع وقف وهمي للاستيطان خارجها .
رابعا,,اهدار حق العودة .
خامسا,, القدس موحدة مع امكانية الوصول للصلاة فيها .
سادسا ,, قطع الصلة بالعمل الوطني و قطع رواتب أهالي الشهداء و السجناء .
هذه البنود و أخرى هي جوهر الصفقة الفلسطينية المرتبطة و المعتمدة على الصفقة التاريخية الكبرى ,, فبعد تأسيس الحلف ,, لم تعد ( اسرائيل ) عدو , بل هي شريكة ضد ايران و القوى الاخرى ,, و التطبيع على قدم و ساق ,, فلا عمق عربي أو إسلامي أو اقليمي للفلسطينيين ,, و ليس أمامهم سوى القبول بالفتات ,, و قد رأينا بعض الاستجابات من قبل السلطة فبدأت تسريبات القبول بالتنازل عن 6.7% من الأرض و القبول بحل كلينتون للاجئين .. و بقية البنود ,, هذه هي صفقة التاريخ ,, صفقة اقليمية ضحيتها شعوب المنطقة و في مقدمتها الشعب الفلسطيني .
نعم بدون مجاملات و تبسيط هذا هو الواقع الجديد ,, نحن أمام صفقة بدون أخلاق تعتمد لغة مصالح الحكام على حساب الشعوب ,, مرحلة انهاء القضية الفلسطينية و قد حذرنا من ذلك مرارا و قلنا أن الدماء تسيل في المحيط الإقليمي و الثمار تجنى في فلسطين ,, يجب الإقرار بالحقيقة ,, و الهدف ليس الإستسلام بل المواجهة و التحدي و كشف المخطط و لا زال لدينا الكثير من الأصدقاء الداعمين و لا زالت أمامنا فرصة توحيد الجهود و الالتفاف حول الوحدة الوطنية و محاربة الصفقة .
اننا امام لحظة تاريخية غاية في التعقيد و الصعوبة تتطلب منا الوعي الشديد و اليقظة و الوحدة و البناء الداخلي و اختيار الحلفاء و توطيد العلاقات معهم و كشف كل من يتآمر و يتخلى عن واجبه ,, نحن أمام منحنى تاريخي تعقد فيه الصفقات المشبوهة و لكننا نمتلك الحق و الإيمان .
الثبات و الصمود عنوان المرحلة فلن نتخلى و لن نساوم و لن نتنازل بل سنظل نتمسك بالحقوق حتى تحقيق الخلاص رغم تخلي و ظلم ذوي القربى ,, و إن غدا لناظره لقريب .