وفيات من الاردن وفلسطين اليوم الثلاثاء – 1- 7 – 2025 العين القضاة: مادة "الميثانول" ترهق الجهاز العصبي وهي مادة خطرة جداً - فيديو ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين في قطاع غزة إلى 228 بلدية الرمثا تباشر المراحل الأخيرة من شارع الأربعين بعد انتظار لعقود - فيديو انطلاق معسكر "الصحة والشباب" في بيت شباب البترا رئيس الوزراء يستقبل رئيس الهلال الأحمر الأردني البريزات يبحث تعزيز التعاون السياحي مع منظمة السياحة العالمية في مدريد جلسة لمجلس محافظة الكرك لمراجعة مشاريع المحافظة ٢٠٢٥ مجلس محافظة جرش تقرير راصد مجحف رئيس بلدية كفرنجه يصف تقرير راصد بأنه غير دقيق انطلاق فعاليات المراكز الصيفية القرآنية في جرش النائب المشاقبة : بحاجة لخطط عابرة للحكومات ورؤية واضحة لتحقيق نجاح بالتعليم تعيين سيدة “متصرف لواء” لأول مرة في تاريخ وزارة الداخلية اكتشاف خاصية خطيرة لـ"أوميغا 3"! واشنطن تعيد موظفيها ودبلوماسييها تدريجيا للعمل بالمنطقة عقب حرب الـ12 يوما

القسم : بوابة الحقيقة
المرشد وكأس السم .. مرة أخرى
نشر بتاريخ : 7/1/2025 12:04:38 AM
د. منذر الحوارات

د. منذر الحوارات

في عام 1988، وقف الإمام الخميني معلنا عبارته الشهيرة: «لقد تجرعت كأس السم»، إيذانا بنهاية حرب الثماني سنوات مع العراق، المفارقة أن كلا الطرفين أعلن انتصاره في تلك المواجهة الدامية، بينما الحقيقة الصادمة أن كليهما خرج مثخنا بالجراح، واليوم، وبعد 37 عاما من نهاية تلك الحرب، يتكرر المشهد في العام 2025، لكن على مسرح أكبر، وبكلفة أشد، وبعد مواجهة مفتوحة استمرت 43 عاما، بدأت مع تأسيس حزب الله والهجوم على السفارة الأميركية في بيروت، ثم توالت محطاتها؛ في العراق عام 2003، وفي سورية 2011 واليمن في 2014، تحت شعار «دعم حركات المقاومة» ضد الغرب وإسرائيل، استثمرت إيران كل أزمات المنطقة لبناء «حلقة من النار» طوقت المصالح الأميركية والإسرائيلية.

 

بنت إيران سرديتها الكبرى على أساس المواجهة مع «الشيطان الأكبر» و«الكيان »، وشكلت محورها العابر للحدود، وإلى جانبه عشرات الشبكات الخفية المنتشرة في دول عدة، كان الشعار المُعلن هو «مواجهة العدوين تحت شعار وحدة الساحات»، بينما ظل الهدف المضمر: استخدام هذه الأذرع كخط دفاع متقدم عن الداخل الإيراني، ضمن ما عُرف لاحقا بمفهوم «العمق الإستراتيجي»، إيران، التي تعرف جيدا هشاشة منظومتها الدفاعية، اعتمدت طريقة الدفاع من خارج الحدود، معززة ذلك ببرنامج صاروخي كثيف، بينما استخدمت برنامجها النووي كغطاء تفاوضي لإخفاء طبيعة التوسع العسكري أو ربما العكس.

 

أتيحت لإيران في السابع من أكتوبر فرصة نادرة لتحقيق ما بشرت به، كان بإمكانها تفعيل وحدة الساحات، وإلحاق أذى إستراتيجي بإسرائيل وحلفائها، لكن ترددها، كان سيد الموقف، وكانت هذه لحظة التحول الاستراتيجي التي كشفت عن حدود مشروعها، لقد منحت إيران لإسرائيل فرصة ذهبية لتصفية حلفائها، الواحد تلو الآخر، دون تدخل مباشر منها، لقد بذلت كل جهد ممكن لتنال رضا الولايات المتحدة، متعهدة ضمنيا بعدم إيذاء إسرائيل إلا إذا تعرضت إيران نفسها لهجوم مباشر، تلك كانت طامة كبرى أدركتها طهران متأخرة، عندما حانت لحظة الحقيقة، وبدأت إسرائيل في استهداف العمق الإيراني ذاته، بضربات شلت قدرات إيران في أكثر من مجال، وبينما كانت القنابل تتساقط فوق المنشآت النووية والمقار العسكرية، كان الصمت مطبقا على الأذرع التي طالما تفاخر بها النظام، لم يطلق أحداً ولو طلقة واحدة للدفاع عن إيران حتى الداخل الإيراني، بدا مصدوما.

 

اثنا عشر يوما من القصف المركز، رافقتها عمليات نوعية دقيقة داخل العمق الإيراني، استهدفت كل ما يمكن أن يُصنَّف كعنصر قوة: من قادة عسكريين وعلماء نوويين، إلى قواعد جوية، ومراكز قيادة وسيطرة، صحيح أن إيران تجاوزت الصدمة بسرعة، وتمكنت من إصابة أهداف في العمق الإسرائيلي، ونجحت نسبيا في اختراق الدفاعات الإسرائيلية بنسبة 5 %، وهي نسبة مؤلمة لدولة الاحتلال وألحقت بها أضرار جسيمة، لكن الأهم من ذلك كله لم يكن في ميدان المعركة، بل في حجم الانكشاف الإستراتيجي الذي عانت منه إيران خلال تلك الأيام.

 

الصمت لم يطل الأذرع العسكرية، بل كان أوسع وأخطر من قبل حلفاء إيران الإستراتيجيين الصين، روسيا، والشركاء الإقليميين جميعهم صمتوا، لقد كشفت الأحداث مدى هشاشة تحالفات النظام، وبدت العزلة الإستراتيجية كاملة، عزلة من حلفاء كانوا قبل أسابيع فقط يلوحون بمشاريع لتغيير النظام الدولي بقيادة أميركا لكن عندما اشتعلت النيران في طهران تركوها تواجه مصيرها وحدها.

 

بعد مواجهة امتدت 43 عاماً، حُسمت المعركة في اثني عشر يوماً، ولم يتبقَ في جعبة إيران، كما تقول بنفسها، سوى 500 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بتكلفة نصف تريليون دولار، هو كل ما بقي لتفاوض عليه، تفكك المحور الذي كلف مئات المليارات، تحطم البرنامج الصاروخي، تهاوت منظومات الدفاع الجوي، خسر الإيرانيون خيرة علمائهم، وتراجعت مكانة إيران كقوة إقليمية، وبينما تتراجع طهران، تقدمت إسرائيل لتشغل موقعا قياديا في الإقليم، استعادت أميركا قوة ردعها وأعلنت بوضوح أن عصر التراخي قد انتهى، وفي الداخل الإيراني، ويزداد الغضب الكامن تحت ركام القصف الإسرائيلي، وبدا كأن تجربة العراق في العام 1991 تبدأ من جديد لكن في إيران.

 

مرة أخرى يجد المرشد نفسه مضطرا لتجرع كأس السُّم، ليس لأنه يريد بل لأنه لم يعد يستطيع الاستمرار في مواجهة يعلم جيداً أن النظام برمته سيكون أول ضحاياها، لقد تجرعها هذه المرة تحت وطأة الانكشاف الإستراتيجي، والتفكك الإقليمي الذي ساهم بنفسه في صناعته، وتحت وطأة انكشاف عسكري غير مسبوق.

 

كل ذلك يقود المنطقة إلى معادلة جديدة رُسمت تفاصيلها بيد أميركا وإسرائيل، واللاعبون الإقليميون، كبارا كانوا أم صغارا، سيكونون مضطرين للتعامل مع حقائقها شاءوا ذلك أم أبوا.

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023