قلة ممن سيشاركون في انتخابات هذا العام يتذكرون كيف كانت تجري الانتخابات قبل أن تحتل اسرائيل الضفة الغربية وتتوقف الانتخابات البرلمانية حتى الثمانينيات من القرن الماضي. فمعظم الذين سيشاركون هذا العام كانوا صغارا او أنهم لم يكونوا قد ولدوا في تلك الأيام.
في تلك الأيام كان الأردنيون يعرفون جيدا مواصفات الأشخاص الجديرين بالترشح لملء المقاعد المخصصة لدوائرهم، فلا يجرؤ من هو غير كفؤ أو لا يحظى بتقدير مجتمعي على التفكير بالترشح أو التصريح برغبته.
في تلك الأيام كانت المواطنة ممارسة لا شعارا وكانت المسافة بين القدس والكرك أقصر من المسافة بين مرشح وآخر على أي قائمة من القوائم النسبية المفتوحة هذه الأيام. فلا أهل القدس يدققون في بيانات الولادة والسكن للمرشحين ولا المرشح يكترث لغير الأفكار والأهداف التي يدرجها في البيان الانتخابي. في معظم دوائر البلاد كانت أعداد المرشحين الذين يتنافسون على المقاعد محدودة، فعلى الناخب أن يختار ممثلي الدائرة التي يقيم فيها من بين قائمتين أو ثلاث قوائم على أكثر تقدير. في كل دوائر المملكة ومن غير وجود هيئة مستقلة للانتخابات لم يجرؤ متعهد طرق أو مقاول تعدين أو صاحب شركة إنشائية أو تايكون مصرفي أو تاجر خدمات تعليمية أن يترشح لعلمه أن الدستور يشترط أن لا يكون المرشح مرتبطا بمصالح اقتصادية مع الدولة.
في تلك الأيام كان الرجال الذين يتسابقون على تمثيل مناطق البلاد وأهلها يعون الأوجاع ولا يضمرون ان يتحدثوا عنها بلغتين، أو بخطابين أحدهما في القاعات المغلقة والثاني أمام كاميرات التلفزة وميكروفونات الإذاعات. في الأيام الخالية لم يكن المرشح يحرص على نيل الدكتوراة الفخرية أو سفير النوايا الحسنة من أجل أن يبني صورة ذهنية تحسّن مستوى استماع الناس وتصديقهم لما قد يقول.
برامج المرشحين وأهدافهم لم تكتب على أوراق ويافطات بمقدار ما هي استنتاجات من الناخبين لما يمكن أن يقوم به الشيوخ والزعامات وقادة الأحزاب الذين لم يكونوا بعيدين عن نبض الشارع وشكوى الناس وأوجاعهم. من الصعب في هذه الأيام أن يعرف الناخب صفات النساء والرجال الذين يتدافعون على ملء شواغر المجلس خصوصا وهم ينفقون أموالا طائلة على رسم صور افتراضية لهم كاشخاص يحبون العمل وخدمة الجماهير والإحسان، فيما أن غالبيتهم أنانيون لا يحتملون حضور الناس ولا يطيقون طلباتهم ويضيقون بملاحقاتهم التي لا يرون أنها جديرة بالاهتمام.
النساء والرجال الذين تتزاحم صورهم وشعاراتهم في كل مكان لا يحتاجون للتعبير عن رغبتهم في الترشح لأكثر من شهادة تثبت عدم المحكومية ودفع بضع مئات من الدنانير كرسوم تسجيل...فقد ضمنوا أن يستفيدوا من غياب آليات التدقيق في سيرهم الذاتية وكفاءتهم واقتدارهم وانشغال الصحافة والأفراد في قضايا وهموم تتجاوز في أهميتها مراجعة وتحليل السير الذاتية لمن قالوا بأنهم سيحسنون تمثيل الأمة في مجلسها الثامن عشر. في الانتخابات التي سبقت احتلال القدس وجاراتها من مدن الضفة الغربية كنا أطفالا في قرانا الجنوبية كما غيرنا في قرى وحواضر وبوادي البلاد، وكنا نستقبل الأوراق الملونة التي حملت شعارات وبيان وسيرة مرشحين اثنين تسابقا على المقعد المخصص للطفيلة انذاك ...وكنا قد قرأنا تفاصيل البيان ووعينا كل ما فيه وكوّنا انطباعنا عن كل من المرشحين....
اليوم في زحمة الصور والكلام والتحليلات ليس من السهل أن نحدد من؟ يقول ماذا ؟ ولمن؟
عن الغد