كتبت هبة
بني مصطفى
باتت
ظاهرة تغير المناخ تؤرق العالم أجمع لما تولده من مخاطر تهدد جميع القطاعات على
سطح الأرض. و يعد القطاع الزراعي واحداً من أبرز القطاعات التي تدق ناقوس الخطر
نتيجة التغير المناخي.
يعد
القطاع الزراعي في الأردن واحداً من أهم القطاعات الإقتصادية بسبب ارتباطه
بالحاجات الأساسية اليومية و تشعب تداخلاته مع باقي القطاعات الوطنية الأخرى
كالقطاع الصناعي و قطاع النقل، التي تشكل دعائم الإقتصاد و التنمية. و يشكل هذا
القطاع المصدر الرئيس لدخل نسبة عالية من القوى العاملة، و يتمتع بأهمية خاصة لا
تنحصر في المردود المالي أو في نسبة إسهام هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي،
التي تصل إلى نحو (5.5%)، بل تتعدى ذلك إلى الأهمية الإجتماعية و البيئية من خلال
إسهامه في معالجة الفقر و البطالة. و لهذا القطاع أهمية استراتجية تتبدى في إسهامه
في توفير الركائز الأساسية للأمن الغذائي و توفير أدوات تحقيق هذا الجانب من جوانب
الأمن الوطني الأردني.
الأردن
كغيره من الدول يشهد تأثرا على قطاعه الزراعي نتيجة تغير المناخ، بالإضافة لفقر المياه
اذ يعد الأردن ثاني افقر دولة في المياه على مستوى العالم، كما أن حالة الجفاف و
الزحف العمراني على حساب الأراضي الزراعية جميعها عوامل أسهمت إلى حد بعيد في
تراجع مستوى الإنتاجية و تدنيها، و إنخفاض إسهام هذا القطاع في الناتج المحلي
الإجمالي و التراجع الكبير في قدرته على استدامة الأنشطة الزراعية الأمر الذي يهدد
بقاء هذا القطاع، فكان لا بد من وجود نداء استغاثة للنهوض بالقطاع الزراعي .
تأتي التكنولوجيا و تجلب معها
القدرات و الإمكانيات غير المحدودة و الحلول لجميع القطاعات، و لقطاع الزراعة نصيب
من هذه التكنولوجيا، فمنظمة الأغذية و الزراعة
للأمم المتحدة "الفاو" تتوقع أن تتزايد الإحتياجات الغذائية
للكوكب بنسبة 75% عام 2050 نتيجة للزيادة المطردة في عدد السكان الأمر الذي يتطلب
إتخاذ خطوات جدية و تسخير تكنولوجيا لصالح الوجود البشري.
فغدت
تكنولوجيا الزراعة الذكية واحدة من أساليب الزراعة الحديثة لمقاومة التغير المناخي
و التكييف للتخفيف من آثاره و لزيادة الإنتاجية من أجل النهوض بقطاع الزراعة.
فبحسب
"الفاو" تعّرف الزراعة الذكية مناخياً بأنها النهج الذي يساعد على توجيه
الإجراءات اللازمة لتحويل و إعادة توجيه النظم الزراعية لدعم التنمية بصورة فعالة
و ضمان الأمن الغذائي في وجود مناخ متغير. و تهدف الزراعة الذكية مناخياً لمعالجة
ثلاثة أهداف رئيسية هي: زيادة مستدامة في الإنتاجية الزراعية و الدخل، التكييف و
بناء القدرة على التكييف مع تغيير المناخ،
خفض و / أو إزالة إنبعاثات غاز الإحتباس الحراري حيثما كان ذلك ممكناً.
أما
الزراعة الذكية بحسب الباحث في المركز الوطني للبحوث الزراعية المهندس يحيى أبو
صيني يمكن تعريفها بأنها نظام زراعة يعتمد على تطبيق التقنيات الزراعية المتقدمة من اجل إنتاج
الغذاء بطرق مستدامة وصحية، مع المحافظة على الموارد الطبيعية وترشيد استخدامها،
وزيادة كفاءة استخدام المياه، والتقليل من مدخلات الانتاج وتعظيم الفائدة منها
وزيادة كفاءتها، من خلال أتمتة العمليات الزراعية كالري والتسميد ومكافحة الآفات
ومراقبة التربة والمحاصيل، والحصول على بيانات دقيقة وتحليلها وادارتها، واستثمار
هذه البيانات في توجيه الزراعة توجيهًا دقيقًا نحو إنتاج أكبر بتكلفة أقل، ومن اجل
اتخاذ القرارات المناسبة في عملية الانتاج، وإنتاج محاصيل ذات جودة عالية. ومن اهم
التطبيقات والتقنيات الذكية أنظمة التحكم عن بعد، والآلات ذاتية التشغيل، انترنت
الاشياء، الاستشعار عن بعد، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الطائرات بدون طيار،
تطبيقات الهواتف الذكية، الريبوتات و الزراعة الرأسية.
و
لترجمة مفهوم الزراعة الذكية مناخياً يقول المهندس يحيى أبو صيني إن الحكومة
الأردنية تعمل بالتعاون مع أذرعها الزراعية المعنية بتنفيذ الإجراءات التالية:
أولاً:
تطوير نظم الإنتاج النباتي و الحيواني من خلال حزمة تمويل مشاريع استخدام التقنيات
الزراعية الحديثة مثل أكوابنك و هايدروبنك و نظم الري الحديثة ، دعم استخدام
الطاقة الشمسية في قطاع الزراعة، دعم التحول الى التربية المغلقة في مزارع الثورة
الحيوانية، الإستثمار في "المجترات الصغيرة" و انتشال الأسر الريفية من
الفقر.
ثانياً:
تطوير القدرات في مجال التقنيات الزراعية الحديثة و بناؤها، و تندرج ضمن ذلك
إجراءات كثيرة منها: التدريب على التقنيات الزراعية الحديثة و التشغيل من خلال
المحطات الزراعية، التشغيل و تنظيم العمالة الزراعية و خدماتها و تمكين القوى
العاملة في هذا القطاع، التمكين من المكننة الزراعية، إنشاء محطة لتدريب المزارعين
و العاطلين عن العمل على أنظمة ( أكوابونك)، تحسين القدرة التنافسية للمنتجات
الزراعية في وادي الأردن و إدخال تقنيات تحقق الكفاءة في إستخدام المياه، استكشاف
مشاريع زراعية عالية القيمة و شاملة إجتماعياً و موفرة للمياه في الأردن، نشر
تقنيات الزراعة المائية في المناطق المرتفعة.
يسير
الأردن على خطى العالم لمواجهة عواقب هذه الظاهرة ، فيقول الخبير و الباحث البيئي
الدكتور أحمد الشريدة إن الأردن يواجه مشكلة هدر في مياه الري عبر الطرق التقليدية
كالري عبر الأقنية، الري عبر الرشاشات، الري السطحي و أخيراً الري بالتنقيط. فكان
لا بد من إدخال تكنولوجيا ذكية للتقليل من الهدر المائي بحيث يأخذ النبات حصته من
المياه التي تكفيه و لا تزيد عن حاجته عبر استخدام انظمة الزراعة الذكية (بواسطة
الكمبيوتر و الأدوات الذكية) خاصة أنها تقوم على
ترشيد إستخدام الموارد الطبيعية و لا سيما مياه الري.
و
أضاف الشريدة أن من أبرز طرق الزراعة الذكية هي الزراعة المائية التي لا تعتمد على
الإنبات في التربة و إنما تقوم على إنبات في نظام دوار من المياه بتقديم العناصر
الغذائية للنبات من خلال عملية دورة مائية، و ميزة هذا النوع بالنسبه للأردن هي
أنه يوفر الكثير من الأراضي، خاصة و أن المناطق الزراعية إنخفضت بسبب الزحف
العمراني، كما يوفر الوقت و الجهد والماء و تعطي نباتات غير معدلة وراثياً.
يقول
منسق مشاريع برنامج التعاون الفني في "الفاو" المهندس جعفر العميان إلى
أنه عند الحديث عن مفهوم الزراعة الذكية المناخية فالمقصود هو كفاءة إستخدام
المياه، خاصة أن القطاع الزراعي من أكثر
القطاعات التي تعاني من نقص المياه، إذ إن الزراعة الذكية توفر من 60 الى 90% من
المياه.
و
أضاف العميان أن من بين الأنظمة التي تندرج تحت مفهوم الزراعة الذكية مناخيا، التي
قامت الفاو بتطبيقها في الأردن لمقاومة التغير المناخي هي: الزراعة المائية و
الزراعة الأحيومائية (الأكوابونيكس)، وهي عبارة عن نظام يجمع أفضل ماهو موجود في
الزراعة المائية (الزراعة بدون تربة) والإستزراع السمكي المكثف في نظام مغلق، و
الزراعة الهوائية، و تعد من أبرز أنظمة
الزراعية الذكية المناخية، اذ لا تعتمد على التربة و يكون النبات مزروعاً في بيئة
هوائية أو ضبابية و تعتمد على تشكيل طبقة ضبابية من الماء حول الجذور و تعد الأكثر
كفاءة و إنتاجية من بين أنظمة الزراعة الذكية اذ توفر 90% من المياه.
أحد
مشاريع الفاو و يظهرعلى اليمين نظام الزراعة الهوائية وعلى اليسار نظام الزراعة
المائية (الفاو)
و
لتعزيز و ترويج مفهوم الزراعة الذكية مناخياً و إبراز مدى أهميتها، أطلقت وزارة
الزراعة بالتعاون مع الفاو مشروع مشتل
فيصل الزراعي الذي أبصر النور في محافظة
جرش، و هو مشروع زراعي يهدف الى تدريب المزارعين
و المهندسين الزراعيين حديثي التخرج على تقنيات زراعية حديثة تسهم في تحسين
الإنتاج و توفير كميات من المياه و تطوير أساليب ترشيدية في الزراعة المائية.
و من
باب دعم أنظمة الزراعة الذكية يقول الناطق
الإعلامي بوزارة البيئة المهندس أحمد عبيدات إن
الزراعة الذكية لدى وزارة البيئة محور أساسي من المحاور التي تعنى بها
الوزارة من خلال فتح النطاق لمؤسسات المجتمع المدني و الأفراد و المشاريع الريادية
المعنية بالمشاريع الزراعية، من خلال صندوق البيئة الذي يقدم منحاً و مساعادات
للجادين في مشاريع زراعة ذكية لمواكبة التطور في قطاع الزراعة، و مواجهة مشكلة
التغير المناخي للنهوض ببيئة أفضل. كما أطلقت الوزارة عدداً من الخطط بالتعاون مع
وزارات و مؤسسات تعنى بالزراعة من أجل التصدي لظاهرة التغير المناخي.
ولعل
أهم ميزات الزراعة الذكية أنها لا تحتاج إلى تربة و تمكّن من الزراعة في أي مكان و
هذا ما قامت به المهندسة حنين الترتير اذ بدأت مشروعها الزراعي الخاص على سطح
منزلها، فقامت بدايةً بزراعة الخس ثم
الجرجير، الأمر الذي دفعها الى التوسع في مشروعها فقامت باستئجار قطعة أرض بمساحة
نص دونم لبناء البيت البلاستيكي الخاص بمشروعها .
تقول
الترتير إن من أبرز مميزات هذه الزراعة أنها تقوم بإدارة مشروعها عبر استخدام
التقنيات التي تضمها هذه الزراعة من خلال وحدات التحكم الخاصة بالري مما يجعل
الأمر أكثر سهولة لأن الماء يكون دائما
تحت النباتات . أما عن التهوية فتقول إن محطة الأكسجين مربوطة بمؤقت يقوم بتشغيلها
و إطفائها عند اللزوم مما يوفر الوقت و الجهد، بالإضافة توفر هذه الزراعة 95% من الأسمدة و الماء فلا تكون قلقة بالنسبة
لموضوع الماء اذ تقول إنها تستخدم للبيت البلاستيكي الواحد كمية قليلة جداً من
الماء.
وأضافت
الترتير ان ما يميز هذه الزراعة عن التقليدية كمية و وفرة و سرعة الإنتاج إذ إن
إنتاج الخس في الزراعة التقلدية قد يحتاج من 45 إلى 60 يوماً لكن في حالة الزراعة
المائية يكون خلال 30 يوماً جاهزاً للبيع، كما أن الميزة في هذه الزراعة تقليل
الأيدي العاملة خاصة انه يوجد نقص حاد فيها لدى القطاع الزراعي .
و من
باب التشجيع على أنظمة الزراعة و لتعم
الفائدة لأكبر قدر من الناس قامت الترتير بإطلاق مبادرة بالتعاون مع وزارة الشباب
لتدريب 60 مهندساً و مهندسة على أنظمة الزراعة المائية واشتملت على تدريب نظري و
عملي، كما قام المتدربون بزيارات ميدانية
لمشاريع ريادية للمزارع المائية .