بقلم: المهندس مدحت الخطيب
قبل ستين عامًا ونيفًا، وفي مرحلة المد
الوطني والقومي العربي، صدرت مسرحية توفيق الحكيم المشهورة باسم «السلطان الحائر».
ولعلها من أهم أعمال «الحكيم» والتي لا تزال محتفظة بسخونتها إلى يومنا هذا، حيث
كتبها منتصرًا للديمقراطية والقانون، في وقت كانت فيه حركة التحرر العربي على
أعتاب مفترق خطير.
تدور أحداث المسرحية باختصار حول سلطان
من سلاطين المماليك، ملأ الأرض عدلًا ورفاهية وازدهارًا حتى أصبح زعيمًا حقيقيًا
يتغنى الشعب باسمه ويفدونه بأرواحهم، وقد بنى السلطان مجده هذا عبر سنوات طويلة من
العمل والكفاح، والاتصال المستمر مع شعبه بكل تواضع وحب ومسؤولية. فقهر المغول،
وخفض الضرائب، وبنى الجسور والمدارس، ووفر سبل الحياة الرغيدة للجميع. وفي أوج
مجده وانتصاراته ونهضته العظيمة، خرج بين الناس رجل يطعن في شرعية تولي السلطان
الحكم، وقال: إن السلطان الحالي كان عبدًا رقيقًا لدى السلطان المتوفي، وأن
السلطان الراحل لم يمهله القدر ليعتق عبده المملوك، وبالتالي فهو عبد مملوك ليس له
الحق في الحكم...
وعندها وصل الخبر إلى السلطان، وعلم أن
الناس في مدينته يتهامسون أنه لم يزل عبدًا، وأن سيده السابق لم يعتقه، ولهذا لا
يحق له أن يحكم ويكون سلطانًا على الناس قبل أن يُعتق ويصير حرًا، ويتحيّر السلطان
بين استعمال القوة لإسكات الناس (وهذا رأي الوزير الاول )، والاحتكام إلى القانون
(وهذا رأي القاضي). ولكن الاحتكام إلى القانون يعني أن يُعرض السلطان في مزاد عام
أمام الناس ليشتريه من يشتريه فيعتقه. وقد تردّد السلطان بين الرأيين، ولكنه قرر
في النهاية أن يكون القانون هو الحكم وسيد الموقف فلا حكم دائم الا بالعدل
والقانون .
وتم المزاد، وكان السلطان من نصيب
((غانية)) سيئة السمعة بالمدينة، ورفضت تلك الغانية التوقيع على وثيقة العتق. وبعد
أخذ ورد وافقت الغانية على شراء السلطان والتوقيع على صك عتقه إذا أذّن المؤذن
لصلاة الفجر!
ولأجل ذلك قامت الغانية باستضافة
السلطان في بيتها، ودار بينهما حوار يكشف شخصيتيهما، فقد اكتشف السلطان أن الغانية
بريئة من تهمة العهر، وما هي إلا امرأة تُحب الأدب والفن، كما اكتشفت الغانية طيبة
السلطان ودماثة خلقه.
وأثناء الحوار بين الغانية والسلطان
يُؤذن المؤذن لصلاة الفجر قبل حلول الوقت، ويُفاجأ السلطان والغانية بالأذان، ثم
يعلمان أن تلك الخطة من تدبير القاضي، الذي تحايل على القانون، وزعم أن العتق يتم
إذا أذّن المؤذن لصلاة الفجر سواء أكان الأذان في موعده، أم في غير موعده، ويرفض
السلطان ذلك، ويفضّل أن يبقى عند الغانية حتى الموعد الحقيقي لأذان الفجر، ولكن
الغانية لما رأت أن تلك حيلة خطط لها القاضي مبعثها حب القاضي للسلطان، قررت أن
تُعيد هي الأخرى للسلطان حريته تعبيرًا عن حبها، حتى ولو كان ذلك قبل الموعد
المتفق عليه سلفًا، وعندها أهداها السلطان الياقوتة الكبرى التي تزين عمامته،
قائلًا: «لن أنسى أبدًا أني كنتُ عبدك ليلة».
في الختام أقول، ولعل اللبيب بالإشارة
يفهم: لقد كشفت لنا حرب غزة وحشية هذا العالم الماكر المنافق الذي خدعنا بشعارات
كتبت في بيوت الظلام والغانيات الحقيقيات، للاسف كشفت لنا غزة حقيقة الكثير من
قادة العالم وصناع القرار فيه على حقيقتهم التي هم عليها ، والله استشعر وأنا أكتب
مقالي هذا روح توفيق الحكيم بيننا اليوم ليقول لهم: أنتم عبيد لا أحرار ولا
سلاطين، عبيد لهذه الغانية ولهذه الكيان العاهر الماجن المتوحش.
والله سيلعنكم التاريخ كما لعن فرعون
وهامان وشارون بصمتكم عما تشاهدون من قتل لآلاف الأطفال والنساء والشيوخ وهدم لكل
مكونات الحياة هناك دون ان تحركوا ساكنا دفاعا عن شعب ذنبهم الاكبر انهم قالوا كفى
للحصار والتجويع والاحتلال : نريد أن نعيش بسلام وأمن ووطن لنا وبزوغ فجر جديد لا
لبس فيه ولا خذلان ولا احتلال..