بقلم: أ.د. تركي الفواز
في ظل الأزمات الإنسانية المتفاقمة
التي تواجه غزة، جاء نداء جلالة الملك عبد الله الثاني كخطوة محورية نحو إنشاء
بوابة دولية للمساعدات الإنسانية، تكون بمثابة شريان حياة لأهل غزة المحاصرين، هذه
الدعوة تمثل فرصة لتوحيد الجهود الدولية لتقديم المساعدات الفعالة والمستدامة
بعيدًا عن التجاذبات السياسية والعسكرية، لتحقيق هذا الهدف النبيل، هناك مجموعة من
الخطوات العملية التي يجب اتخاذها لضمان تحقيق النجاح الكامل لهذه المبادرة.
ينبغي بدء العملية من خلال تشكيل تحالف
دولي قوي يشمل دولًا مؤثرة على المستويات السياسية والاقتصادية، هذا التحالف يجب
أن يكون متعدد الأطراف ويشمل دولًا من مختلف القارات لضمان أن المبادرة لا ترتبط
بأجندات جيوسياسية معينة، يمكن للدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، روسيا،
بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية ذات الثقل السياسي والاقتصادي
أن تكون جزءًا من هذا التحالف، التعاون مع هذه القوى سيضمن دعمًا سياسيًا
ودبلوماسيًا واسعًا للمبادرة، وسيزيد من فرص نجاحها على الساحة الدولية.
إشراك المنظمات الإنسانية الدولية يعد
خطوة أساسية لتأمين إيصال المساعدات بشكل آمن وفعال، المنظمات مثل الصليب الأحمر
والهلال الأحمر والأمم المتحدة تمتلك خبرة واسعة في إدارة الأزمات، وهي مؤهلة
للتعامل مع الأوضاع المعقدة مثل تلك التي تشهدها غزة، يجب توسيع الشراكة مع هذه
المنظمات لتوفير الموارد اللوجستية والفنية اللازمة لتسهيل عمليات الإغاثة على
الأرض، كما ينبغي إشراك المنظمات غير الحكومية التي لها دور رئيسي في جمع التبرعات
والتنسيق الميداني لتقديم الدعم الإنساني.
تعد مسألة تأمين ممرات إنسانية آمنة
أحد أكبر التحديات التي تواجه أي عملية إغاثة في مناطق النزاع، يمكن تحقيق هذا
الهدف من خلال التفاوض مع جميع الأطراف المتصارعة للوصول إلى اتفاقيات تضمن فتح
ممرات منتظمة ومستدامة لإيصال المساعدات إلى المحتاجين، يجب أن تتولى جهات دولية
محايدة، مثل الأمم المتحدة أو الصليب الأحمر، مسؤولية الإشراف على هذه الممرات
لضمان أن أن تصل المساعدات إلى المدنيين.
من المهم أن تُرافق هذه الجهود حملة
إعلامية دولية واسعة النطاق لتسليط الضوء على الأوضاع الإنسانية المتردية في غزة،
والترويج للمبادرة الأردنية بوصفها الحل الأمثل لمعالجة الأزمة، استخدام وسائل
التواصل الاجتماعي سيلعب دورًا كبيرًا في نشر الوعي وتجنيد الدعم الشعبي العالمي،
بالإضافة إلى ذلك، يمكن تنظيم مؤتمرات دولية لجمع التبرعات بالتعاون مع المؤسسات
المالية الكبرى، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ويمكن تشجيع الشركات
العالمية على المساهمة من خلال منحها حوافز ضريبية وتسهيلات اقتصادية أخرى.
لضمان أن تصل المساعدات إلى مستحقيها،
يجب إنشاء آلية مراقبة دولية تتضمن تقارير دورية عن توزيع المساعدات، يمكن توظيف
التكنولوجيا في هذا الجانب، من خلال تطبيقات التتبع والأنظمة الرقمية التي تتيح
مراقبة سير المساعدات، ما يعزز الثقة في المبادرة ويضمن شفافيتها، يمكن أن تكون
هذه الآلية تحت إشراف دولي محايد، مما يضمن نزاهة العملية ويعزز من سمعة المبادرة
عالميًا.
لضمان نجاح هذه المبادرة، فانه يجب
تشكيل لجنة تنسيق دولية تشرف على جميع الجوانب المتعلقة بالمساعدات الإنسانية إلى
غزة، وتضم في عضويتها ممثلين من الدول الكبرى والمنظمات الدولية الإنسانية، هذه
اللجنة يجب أن تعمل على وضع خطط طويلة الأمد تهدف إلى بناء بنية تحتية مستدامة
داخل غزة، بما في ذلك إعادة بناء المؤسسات التعليمية والصحية، ودعم المشاريع
الاقتصادية الصغيرة. علاوة على ذلك، يجب أن يكون هناك دور فاعل للقطاع الخاص
العالمي في دعم هذه الجهود من خلال توفير التمويل والخبرات الفنية.
بهذا النهج الشامل، ستتمكن بوابة الأمل
التي دعا إليها جلالة الملك عبد الله
الثاني من تحقيق أهدافها الإنسانية على المدى الطويل، وتقديم دعم حقيقي
ومستدام للشعب الفلسطيني في غزة.