بقلم: المهندس مدحت الخطيب
إن كنت من جيل السبعينيات والثمانينيات
وما قبلهم فأنت -بلا شك- من القلائل الذين عاشوا الحياة بكل بساطتها وبكامل
تفاصيلها، حياة فيها كثير من الأمور التي لم ولن يعيشها أحد غيركم أبدا، هذا الجيل
تشبث بالقديم وعاش تفاصيل كل ما فيه وانتقل مع جيل اليوم إلى ما نحن عليه فلم يرفض
التغيير او الانهزام ، هم كالأعراف انقسمت حياتهم بين مرحلتين مرحلة البساطة
ومرحلة التطور التكنولوجي والحياتي الذي نعيشه اليوم.
عاصر هذا الجيل الأعراس على حلتها
القديمة و-بكل تفاصيلها- من الألف إلى الياء وكانت لهم مهمة يرسمها لهم أبو العريس
أو أخوه الأكبر، أو ما كان يطلق عليه ب(القايد) ( قايد الدبكة) ويكون على الغالب
صاحب سمعة وصيت, له مكان تحترم بين الدبيكة،
هولاء الشباب الصغار تندرج مهمتهم من
باب التسلية والاستمتاع من ناحية، و-من ناحية أخرى- لإبعادهم عن المشهد وعدم
الإزعاج و-خصوصا- وسط الدبكة المزدحم بالشباب وكبار البلد...
في أغلب الأعراس كانت توكل إليهم مهمة
أساسية ومهام فرعية أهمها صف الكراسي ورش الماء في الساحات وجمع (فوارغ الطلق)
الرصاص، وفي نهاية العرس يجلس الأطفال يتآمرون ويتسامرون بعد هذا التعب، والكل
يحصي ما جمع من الفوارغ، ويلوم نفسه على اتساخ ملابسه من رش الماء على التراب
المتمرد من تحت أقدام الدبيكة وأهل الشبيلات ، ولكن سرعات ما يوهم نفسه أن جائرة
كبيرة ستصل إليه من والد العريس لكثرة المديح والابتسامات والكلمات الطيبة التي
كان يسمعها منه طوال اليوم، ولكن للأسف ينتهي العرس وتغلق الابواب ويباشر اخو
العريس بإطفاء الأنوار وعندها يتسلل اليأس لديهم في الحصول على (مكافَأَة) اوهموهم
بتحصيلها فينسحبون من المشهد بكل هدوء…
وعند عودتهم الى بيوتهم وقد أنهكهم
التعب تجدهم ينامون حتى صباح اليوم التالي دون حراك ، وفي -صباح اليوم- التالي
للعرس يجتمعون -من جديد- في إحدى الساحات ليفكروا في الفوارغ التي جمعوها ولكي
لايخرجوا من المولد دون حمص كما يقال يستغلون هذه الفوارغ فمنهم من يستخدمها
كميدالية مفاتيح والآخر كصفارة والآخر يقوم برميها في سلة المهملات لأنه لدغ عشرات
المرات من قبل ، وهكذا يتكرر المشهد كل عرس وبنفس الأدوات والمحفزات وحتى المنغصات
..
في الختام أقول ومع تغير الحال وكثرة
المتحندرين للعمل العام وما دمنا علي أعتاب مرحلة انتقالية كما صورت لنا بأنها
الخطوة الأولى لبناء مجلس نواب منتخب ويمثل الشعب ما زلنا نعيش نفس الطقوس ونفس
المشاهد حشوات هنا ومناسف هناك وصور وعرض أزياء ومنشورات وخطابات ودبكات وشيلات ،
والمحزن ان الكل يتحدث عن الوطن والتغيير والأمانة وخدمة المجتمع ولا نسمع لهم صوت
تحت القبة ..
صدقوني سينتهي العرس الانتخابي وسيجلس الحشوات
أو أن جاز لي أن اسميهم فوارغ (الطلق) على دفة الاحتياط لاربع سنوات اخرى ويجلس
العريس على الكرسي في العبدلي ويسرد وهو يضحك لمن جاوره في المقعد مغامراته معهم