كلية الـ تمريض في جامعة جرش تنظم يوم عمل تطوعي في محافظة جرش وزير العمل: إعلان الحد الأدنى للأجور خلال 10 أيام مادبا .. ازمة سير خانقة بسبب اعتصام لأصحاب المركبات العمومية الاردن يدين بأشد العبارات جريمة قصف "إسرائيل" حياً سكنياً في بيت لاهيا 51647 طالباً وافداً في مؤسسات التعليم العالي الأردنية ارتفاع أسعار الذهب في السوق المحلية نصف دينار وفاتان و 3 اصابات بحادث سير بين 4 مركبات أسفل جسر أبو علندا - فيديو الحكومة تقرُّ مشروع قانون موازنة عامَّة للعام 2025 تتسم بالواقعية وتحفيز النمو "الصناعة والتجارة” تطرح عطاء لشراء قمح وشعير ترشيح العرموطي لرئاسة النواب خدمّ الصفدي - وتحالفات الاحزاب الوسطية سحبت البساط من الاسلاميين العدوان على غزة يدخل يومه 412 والاحتلال يوصل ارتكاب المجازر جلسة تعريفية بالبرنامج الوطني للتشغيل في غرفة تجارة الزرقاء ناجحون في الامتحان التنافسي - سماء 3 وفيات و8 اصابات بحوادث على طرق خارجية وداخلية 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا شمال غزة

القسم : بوابة الحقيقة
حماس إذ تودِّع هنية
نشر بتاريخ : 8/10/2024 4:53:25 PM
أ. د. محسن محمد صالح

بقلم: أ. د. محسن محمد صالح

 

مقدمة: لا شك أن خسارة حماس باستشهاد قائدها ورئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية كانت كبيرة وبالغة. وقد جمع هنية من الصفات والمواصفات الإيمانية والتربوية والسلوكية والقيادية والتنظيمية، والإمكانات السياسية والتوعوية والخطابية، ما يجعله في صدارة الصف القيادي، ليس على مستوى حركته فقط، وإنما على مستوى الشعب الفلسطيني والأمة.

 

ونقف في هذا المقال ثماني وقفات بين يدي استشهاده رحمه الله:

 

الأولى: أن هنية رحمه الله تمتع بشخصية قوية الإيمان، عميقة الثقة بالمشروع الإسلامي لفلسطين، مع قدرة متميزة على تقديمه بأسلوب وحدوي حضاري معتدل وبروح متناغمة منسجمة مع الأبعاد الوطنية والإنسانية لقضية فلسطين. وتميز خطابه السياسي بلغة سياسية منفتحة، تُركّز على المشترك، وتستوعب الاختلافات، وتسعى لتوحيد الجهد واستفراغ الطاقة في مواجهة العدو الصهيوني، وليس في الصراع الداخلي.

 

والثانية: طبيعته الشخصية المرنة المنفتحة، المريحة والسهلة في التعامل، وتواضعه الطبيعي غير المتكلف، وحسن إنصاته للمتحدثين، وابتسامته التي لا تفارقه.

 

والثالثة: أن طريقته في القيادة مالت إلى الطريقة "الأبوية" التي تستوعب الجميع، وتتجنب إغضاب أحد، مع التجاوز عن الزلات، وتحمّل النقد بصدر رحب. ولم يُغيّر توليه لرئاسة وزراء السلطة الفلسطينية، وقيادة قطاع غزة، وقيادة حركة حماس؛ من طبيعته الاجتماعية الشعبية التي تحب البساطة وتعيش هموم الناس، وظل ابن معسكر الشاطئ على طبيعته تلك حتى لقي ربه.

 

والرابعة: أن هنية سعى إلى إنجاز وحدة وطنية حقيقية، وإلى إنهاء الانقسام الفلسطيني، وإلى تذليل المعوقات والعقبات التي تعترضه، فأسهم بفعالية في اتفاق مكة سنة 2007، وترأس حكومة الوحدة الوطنية التي نتجت عنه. وكان له دوره في اتفاق المصالحة في القاهرة 2011؛ وقام بالتنازل عن رئاسة الوزراء في اتفاق الشاطئ سنة 2014 لتسهيل تشكيل حكومة وحدة وطنية يرأسها غيره. ومن أجل تفعيل المصالحة قدّمت حماس تحت قيادته في صيف 2020 ومطلع 2021 المزيد من التنازلات، بما في ذلك عدم تفعيل المجلس التشريعي قبل الانتخابات، والسكوت عن شرط التزامن في إجراء الانتخابات؛ وترك إصدار المراسيم لعباس، والتغاضي عن عدم عقد عباس للإطار القيادي المؤقت، حتى أدرك الجميع في النهاية أن المشكلة في جوهرها تكمن في تعطيل عباس وفريقه لعملية الإصلاح وإعادة البناء.

 

والخامسة: أن شخصية هنية لقيت قبولاً كبيراً لدى الشعب الفلسطيني وفصائله ورموزه، وخلال السنوات الماضية تصدّر الكثير من استطلاعات الرأي العام في الضفة الغربية وقطاع غزة للفوز في انتخابات الرئاسة الفلسطينية في مقابل محمود عباس. وكان نتيجة آخر استطلاع للرأي نشره المركز الفلسطيني للبحوث المسحية والسياسية في حزيران/ يونيو 2024 أن هنية يحصل على 76 في المئة مقابل 20 في المئة من المصوتين لعباس.

 

والسادسة: أن شخصيته لقيت قبولاً واسعاً عربياً وإسلامياً وعالمياً؛ ونجح في تطوير علاقات قوية مع القيادة السياسية في قطر وتركيا وإيران، ولقيت شخصيته الاحترام والتقدير من القيادات الرسمية في الكثير من الدول حتى تلك التي تختلف مع حماس سياسيا وأيديولوجيا. وحظي هنية بمكانة متميزة لدى الحركات الإسلامية، كما حظي باحترام وتقدير مختلف الحركات السياسية والإصلاحية الوطنية والقومية واليسارية وغيرها.

 

والسابعة: أن هنية قاد باقتدار حركة حماس طوال معركة طوفان الأقصى، وأدار علاقاتها السياسية ومعاركها التفاوضية، بكفاءة عكست مكانة الحركة وقوتها وقدرتها على قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، وقيادة المقاومة ومشروع التحرير. ووفر هنية الغطاء اللازم للأداء العسكري، وجمع بين صلابة المحافظة على المبادئ والثوابت، والتعبير عن تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وبين مرونة التعامل مع الجوانب التكتيكية وفقه المصلحة، بما يوقف العدوان على غزة، ويضمن انسحاب العدو، ويُحقّق صفقة مُشرّفة لتبادل الأسرى، ويفتح المجال لفك الحصار عن القطاع وإعادة الإعمار؛ وكان على تنسيقٍ وتفاهم وتواصل دائمٍ مع إخوانه الذين يقودون العمل الميداني العسكري والمدني في القطاع، وعلى رأسهم رفيق دربه يحيى السنوار.

 

والثامنة: أن هنية حفر مكانته في قلب وعقل الشعب الفلسطيني، حيث عاش كواحد منه، وشاركه وعائلته معاناته وتضحياته وتطلعاته. وبالرغم من وجوده الاضطراري الاستثنائي خارج قطاع غزة لظروف مرتبطة بطبيعة عمله ومهامه، ولأسباب متعلقة بحرية حركته وتنقُّله، إلا أن معظم عائلته التي بقيت في القطاع عاشت وعانت كبقية الناس، وتعرّضت للاستهدافات المتعمدة للاحتلال، حيث استشهد أكثر من 60 من أفراد عائلته، بما في ذلك ثلاثة من أبنائه وعدد من أحفاده؛ وتلقى أخبار استشهادهم باحتساب وصبر وثبات، مُصرّا على متابعة مسيرة المقاومة، حتى لحق بهم رحمه الله.

 

* * *

 

وأخيرا، فقد كانت خسارة حماس وفلسطين والأمة كبيرة بالفعل بفقد هنية، غير أن استشهاده سيكون دافعا للمزيد من العمل والتضحية والعطاء على طريق التحرير. وهو استشهاد كما أثبتت التجربة لن يُضعف حماس، بل سيزيدها قوة وشعبية ومصداقية. وحماس بما تتمتع به من بنى مؤسسية وشورية، ومن تنظيم واسع زاخر بالكفاءات في الداخل والخارج، قادرة على متابعة المسيرة ومراكمة المنجزات.

 

وأمثال هنية يدخلون التاريخ ليس فقط مصدر إلهام لشعوبهم، وإنما لأمتهم ولحركات التحرر وللإنسانية جمعاء.

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023